لا يمكن انتقاد اعتناق أي فرد لتوجه أيديولوجي معين، فهذه سمة بشرية تحقق مبدأ التنوع الفكري والثقافي الذي أقره الله في كتابه الكريم في قوله تعالى (لكم دينكم ولي دين). فالمعروف أن الكثير ممن يتشربون أفكاراً أيديولوجية في أي اتجاه كانت، لا يصلون لتلك المرحلة إلا بعد الاقتناع العميق بصحة الفكرة وبأنها هي الطريق السليم في الحياة. ولهذا تجد القليل جداً ممن يتحول عن الفكر الذي تربى عليه، ولا يحدث هذا غالباً إلا في حالة المسكونين بالشك وعاشقي البحث والتقصي وإعمال العقل أولاً، أما العامة فمن النادر أن تغيرهم عما ألفوا عليه آباءهم. وكما تقدم، فلا أعتقد أن الأيديولوجيا بحد ذاتها خطر، بل هي خيار شخصي واجتماعي يجب أن يقدر ويحترم، لكن المشكلة عندما تتحول الأيديولوجيا إلى "فوبيا" فتصبح ما يمكن أن نطلق عليه "الأيديولوجيا فوبيا". أي أن هذه الأيديولوجيا التي بدأت خياراً شخصياً أو اجتماعياً، تنتقل إلى مرحلة أخرى خطيرة وهي الخوف والشك المرضي من أي أيديولوجيا مختلفة عنها ولو في تفاصيل صغيرة جداً كما يحدث بين بعض الطوائف الإسلامية، فلم تعد كل طائفة تعتقد بامتلاكها الحقيقة المطلقة دون غيرها فقط، بل أصبحت تخاف على كيانها الفكري، خوفاً يجعلها تحاول اقتلاع أي مختلف معها بطرق مشروعة وغير مشروعة. ففي الوقت الذي كانت فيه الخلافات المذهبية والعقدية على مر التاريخ الإسلامي تدور في إطار الجدل العلمي - وربما في بعض الأوقات تحولت إلى صراع بالسلاح - نجد التعبير الأوحد لها الآن هو الإلغاء والمحو الفكري والجسدي للآخر دون أي رادع من ضمير أو دين، ولنا فيما يحدث في باكستان أو العراق من تبادل للتفجيرات والاغتيالات بين زعماء وأفراد الطوائف الإسلامية المتناحرة أبلغ دليل. ولعل السبب الرئيسي لهذا هو امتطاء السياسيين صهوة الجواد الديني الفائز دائما في أي سباق، حتى وإن كان هؤلاء السياسيون لم يُعرفوا بأي خلفية دينية، ولكنهم في لحظات يتحولون إلى قادة أحزاب دينية متطرفة كما يحدث الآن مع أحد القادة العراقيين.