في بلاد الربيع العربي وفي حمأة الانتخابات يعشعش سؤال في عقليات من ترعرعوا وسمنوا من حقبة العلمانية العربية المتطرفة، التي أبدعت السجون والأمية والفقر والتخلف.. سؤال يرتجف أصحابه؛ لأنهم حقاً لا يدركون معنى الديموقراطية، ولم يكونوا يبحثون عنها ابتداءً. في الغرب لا يتساءل المثقف وغير المثقف: هل سيفوز المسيحي المتطرف أم اليساري المتطرف.. لا وجود لهذا السؤال. لقد حكم المسيحيان المتطرفان "بوش وبلير" فجرا بلادهما والعالم إلى هاوية اقتصادية، لكن الشعب كنسهما، وسيصلح يوما ما أفسداه؛ لا مكان لهذا السؤال إلاّ لدى أصحاب العقول التي ولدت وعاشت وهي ترتجف.. على شاكلة مذيع في البي بي سي العربية سأل أحد الإسلاميين: هل ستقطعون الأيدي والأرجل إذا حكمتم؟ محاور آخر في القناة نفسها يطرح سؤالا آخر على إسلامي لإحراجه، متجاهلا أنه سؤال مفعم بإذلال المرأة وإهانتها: هل ستغلقون بيوت الدعارة إذا فزتم؟. يا إلهي.. بلاد للتو خرجت من أقبية الظلام والتخلف أشبه بمحاكم التفتيش الكنسية، فلا يقلق مدعو الثقافة فيه إلاّ على مصير قطاع الطرق واللصوص؟ هل سيفوز الإسلاميون؟ سؤال غبي، ففي أجواء الديموقراطية لا تهم الإجابة، فلن يكون هناك إسلاميون ولا ليبراليون.. في الديموقراطية الغربية يعيش مئات الآلاف من الآميش المسيحيين الذين يكفرون بالحداثة ويحرمون الكهرباء والهاتف والإنترنت، ويركبون الخيل والبغال والحمير، ومع ذلك يصورهم الليبراليون في هوليود وبأفلام ليست رخيصة على أنهم المثال النقي الذي لم تلوثه الحضارة، بينما في الديموقراطية العربية المزيفة يدخل المهندس والطبيب والكيميائي والمخترع السجن لمجرد أنه التحى، وتطرد المهندسة والطبيبة والعالمة من عملها لمجرد أنها تحجبت!. إن تحققت الديموقراطية فالكلمة للإنجاز والنزاهة والأيدي النظيفة، ولن ترى تلك البلاد شبح الأخ القائد، أو الزعيم الأوحد والخالد والملهم، فالشعب هو الضمانة، والشعب هو الرقيب.. لا يطرح هذا السؤال في تلك البلاد إلا أقل الناس إنجازاً وثقة بأنفسهم. إن تحققت الديموقراطية في تلك البلاد فسينتهي عصر صراع الإسلاميين والليبراليين على الهامش، وسيشرق عصر من يحققون رسالة الأنبياء مهما كان طيفهم (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)، فتلك الشعوب التي أتلفها الفقر والتصفيق والهتاف والجوع ويئست من امتلاك سيارة أو سكن ستغلق آذانها عن الوعود، وستفتح كل أعينها على الإنجاز.. الإنجاز لا الوعود هو من سينتصر.. الإنجاز سواء حققه ليبرالي أم إسلامي.