نقلت إلينا الأسابيع الماضية أخباراً سارة دفعة واحدة على غير العادة، على أن هذه الأخبار لم تكن خالصة بل تسللت بين ركام الأخبار المحزنة المتواصلة!. من أهم هذه الأخبار الصفقة الفلسطينية اليهودية لتبادل الأسرى الفلسطينيين مقابل الأسير شاليط، ومنها الاعتذار الرسمي الذي قدمته إسرائيل لمصر عن حادثة قتل الجنود المصريين الخمسة على الحدود بعد تمنعها لمدة شهرين!، ومنها البدء بانتخابات حقيقة أمام العالم في تونس بعد غياب عن الديمقراطية لمدة أربعة عقود وأكثر!. ورغم ان البعض يحيط هذه الأخبار المفرحة بشكوك مختلفة، ويغتال حروف الاستبشار بكلمات كأنها مقدمات لحرب شوارع، إلا أننا سنميل مع المثل (بصلة الحبيب كوزي)!. فصفقة بحجم إطلاق ألف أسير فلسطيني بمن فيهم جميع الأسيرات، مقابل شخص واحد،ليس بالأمر اليسير، وفوق هذا هو إذلال للتعنت الإسرائيلي الذي ظن بقوته واختراقه استحالة الوصول إليه. وهذه القضية فتحت الأعين لأهمية القوة الفلسطينية والوصول لحقها، وأن ثمن التجبر قاسٍ ومر. على أمل أن يصل الدرس إلى أبعد مداه رغم وجود (6000 أسير فلسطيني) في السجون اليهودية حتى الآن، منهم (250 فلسطينياً) تم اعتقالهم شهر أغسطس الماضي!. وحول الاعتذار الرسمي لمصر حول حادثة قتل المصريين الخمسة، وهذا مالم يحدث لتركيا (الاعتذار)، رغم التصعيد التركي الضاغط، إلا أن علينا ألا نمرر بسلام ما حصل في القاهرة مرتين من اختراق للسفارة الإسرائيلية وإنزال علمها، والهلع الذي أصاب من فيها، وقد كنت وقتذاك في القاهرة، ورأيت المشهد، وسمعت الشبان المصريين وهم يغنون لبلادهم أغاني الحرية والكرامة. ومع أن البعض ذهب في قضية الاعتذار الإسرائيلي لبعد آخر يتمثل بالضغط الأمريكي هذه المرة، لتخفيف الاحتقان، وسهولة أداء الدور الأمريكي الإسرائيلي في مصر، لتسييس وضع الانتخابات المصرية القادمة، خاصة إذا عرفنا أن عدد الدبلوماسيين الأمريكيين العاملين في السفارة الأمريكية بمصر يفوق (10,000)!، إلا أن علينا -مع ذلك- أن نراهن على قدرة الشعب المصري وتياراته التي حققت المعجزة الكبرى في إسقاط الرئيس المخلوع وعدد من زبانيته الذين كانوا خير وكيل للسياسة الخارجية، وأسوأ (ولي شرعي) للسياسة الداخلية!. وأما إذا نظرنا إلى تونس اليوم، فهاهي الحياة تدب من جديد، وتعود تونس الحرة تمارس حياتها الطبيعية، وأتذكر قبل ثلاثة أشهر وأنا في مطار تونس قرأت إعلاناً في صحيفة رسمية لمكتبة في قلب تونس تدعو لزيارة معرضها المصغَّر الذي يحوي كتباً (للقرضاوي وسيد قطب والمسيري والغزالي والغنوشي)!. وها أنذا أتلقى دعوات رسمية لزيارة تونس في مؤتمرات قادمة، والمشاركة في إلقاء الندوات والمحاضرات، فسبحان مغير الأحوال. إن هذا الواقع المتغير والمتجدد قد لا يلقي ولو بلحظات تفاؤل عند البعض، مستصحبين المؤامرة الغربيةوالأمريكية خصوصاً، وأن الانتخابات القادمة في جل بلاد الثورات العربية ستكون أسوأ حالاً، وأمكن للتيار العلماني والليبرالي المدعوم، ولربما نقلوا إلى مسامعنا وإيميلاتنا الخاصة خبر اجتماع لجنة الاستخبارات الفرعية في مجلس النواب الأمريكي في (13 إبريل 2011م) حول الانتخابات العربية، والتي من أهم بنودها وتوصياتها: دعم التيارات ذات التوجه المحقق للسلام، والتواصل الاقتصادي، أي باختصار: الضغط على كل من يقول لأمريكا وإسرائيل لا!!. ويبدو أن الأطماع الغربية اليوم رغم الضراوة للوصول إليها، لم تفت في عضد ونفسية العربي المسلم وهذا جانب لا يزال يبعث بالقلق المستمر لأرباب هذه الأطماع. وأتذكر في هذا السياق قبل أسبوعين وأنا على هامش مشاركتي في مؤتمر (مصحف إفريقيا) بالسودان، أنني زرت والوفد المشارك في المؤتمر (الرئيس السوداني عمر البشير)، وكان من أهم ما ذكر دعوته للتفاؤل حول المستقبل، واستبشاره بالواقع الجديد رغم الانفصال! فالدعم الغربي المستميت لأجل الانفصال، قابله اليوم تغير عربي يدعو للتواصل وتطوير مشروعات المصالح -حسب قوله-. إن هذه الشواهد وما تضمنته من وقائع وحقائق تدعو كل العقلاء والمهتمين بشؤون الأمة، أن يرفعوا من معنوياتها، ويسهموا في التخطيط لنهضتها، ويشاركوا ببث الوعي بين أبنائها للحفاظ على هويتهم وقيم الحرية والعادلة التي ضحوا من أجلها، فمعركة النفوس والقيم هي المعركة الأشد شراسة في المرحلة القادمة، وبعدها سيعلم الجميع أن هندسة الحياة قد تغيرت، وأن قواعد اللعبة قد تبدلت، وأن سنة الله قد تغلبت (والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون )[يوسف: 21].