(من حقكم علينا -أيها الإخوة والأخوات- أن نسعى لتحقيق كل أمر فيه عزتكم وكرامتكم ومصلحتكم.. ومن حقنا عليكم الرأي والمشورة، وفق ضوابط الشرع، وثوابت الدين، ومن يخرج على تلك الضوابط فهو مكابر، وعليه أن يتحمل مسؤولية تلك التصرفات). هكذا هي العلاقة بيننا وبين خادم الحرمين الشريفين، علاقة أبوية، مبنية على الحب، يكتنفها التطلع الدائم إلى أفضل الممكن، في ظل كل الظروف هناك دائمًا، نفحة أبوية، ودفقة دافعة لمسيرة المرأة إلى الأمام متخطية كل المعوقات، ومثبطة كل الصراعات، حول حق المرأة في الشراكة المجتمعية والسياسية والاقتصادية بصفتها مواطنًا كامل الأهلية تقف في الصفوف الأمامية بجوار شقيقها الرجل لتساهم يدًا بيد وفكرًا بفكر وجهدًا بجهد لتقدم الوطن ونهضته وأمنه وسلامه. (ولأننا نرفض تهميش دور المرأة في المجتمع السعودي، في كل مجال عمل، وفق الضوابط الشرعية، وبعد التشاور مع كثير من علمائنا في هيئة كبار العلماء، وآخرين من خارجها، والذين استحسنوا هذا التوجه، وأيدوه، فقد قررنا التالي: أولًا: مشاركة المرأة في مجلس الشورى عضوًا اعتبارًا من الدورة المقبلة وفق الضوابط الشرعية. ثانيًا: اعتبارًا من الدورة المقبلة يحق للمرأة أن ترشح نفسها لعضوية المجالس البلدية، ولها الحق كذلك في المشاركة في ترشيح المرشحين بضوابط الشرع الحنيف). هي هذه الدفقة التي جعلت «قضية المرأة» في خبر كان، وأنهت الصراع الفكري والجدل البيزنطي بين مؤيدين ومعارضين لهذا الحق الإنساني الذي تمتعت به النساء في صدر الإسلام، وأكد عليه خادم الحرمين في كلمته التاريخية عندما أشار إلى قصة مشورة أم سلمة في صلح الحديبية التي تؤكد (سعة الدائرة التي رسمها الإسلام للعلاقات بين الرجال والنساء). هي هذه الصورة المشرقة للمرأة المسلمة في عهد النبوة، يستحضرها خادم الحرمين لتكون هي الصورة التي تدعم حق المرأة في صنع القرار السياسي والاجتماعي والوطني. (يعلم الجميع بأن للمرأة المسلمة في تاريخنا الإسلامي، مواقف لا يمكن تهميشها، منها صواب الرأي، والمشورة، منذ عهد النبوة، دليل ذلك مشورة أم المؤمنين أم سلمة يوم الحديبية، والشواهد كثيرة مرورًا بعهد الصحابة، والتابعين، إلى يومنا هذا). يقول عبدالحليم أبو شقة في مقدمة موسوعته العظيمة تحرير المرأة في عصر الرسالة: (إن إحقاق الحق في موضوع المرأة مثل إحقاق الحق في أي جانب من جوانب الشريعة، هو انتصار لشرع الله. على أن لموضوع المرأة أهمية خاصة لعدة اعتبارات منها: 1- (المرأة هي أم المسلم وأخته ثم هي زوجته وابنته فإذا جمعت المرأة بين جناحيها كل هؤلاء فمن يكون أعز منها).. وهذا ما يؤكده دائما خادم الحرمين بأن المرأة هي الأم والأخت والزوجة. 2- (يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما النساء شقائق الرجال»، والانتصار للمرأة المسلمة انتصار للإنسان المسلم بشقيه).. هذا خادم الحرمين ينتصر دائمًا للمرأة بقراراته الحكيمة. 3- (المرأة نصف المجتمع ورئته المعطلة -كما يقولون-، معطلة عن تخريج جيل مستنير، ومعطلة عن المشاركة في إنهاض أمة الإسلام اجتماعيًا وسياسيًا).. لذلك تأتي قرارات خادم الحرمين محفزة على إعادة التشغيل الفعّال لرئة المجتمع لتعمل بكامل الكفاءة والقوة. 4- (تحرير المرأة المسلمة تحرير لنصف المجتمع المسلم).. التحرير بمعنى إزالة العقبات من الطريق وإفساح المجال للمرأة لتشارك وتبدع. 5- (وفوق ذلك كله فقد حبا الله المرأة بفيضٍ من المشاعر الرقيقة يجعلها حريصة على التدين إذا حظيت بتوجيه رشيد).. لا شك إذن في أن المرأة السعودية فخورة وهي تشارك ضمن الضوابط الشرعية التي أكد عليها خادم الحرمين. الملك الحكيم، والأب الحنون، تؤرقه طموحات أكبر من وعي أبنائه، طموحات تستوعب طاقاتهم وقدراتهم، ليقفوا على قدر المسافة التي يقف فيها أترابهم، إذا عجزت معطيات واقعهم عن إحرازهم السبق في ذات المجال وبأعلى قدر على أقل تقدير. معظم النساء حتى في أمريكا وأوربا لم يحظين بهذا الحق (الانتخاب والترشح) دون صراع مع العقليات والعادات والثقافات التي همشت المرأة وسلبتها حقها في المشاركة الفاعلة في النشاط البشري، بكل أوجهه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. المرأة الكويتية خاضت معارك طاحنة، واحتكمت إلى القضاء في سبيل الحصول على حق الترشح والانتخاب في مجلس الأمة الكويتي، وقبل سنوات قليلة فقط حصلت على هذا الحق وفازت أربع نساء في الانتخابات، ومثلهن كثيرات في مختلف الأصقاع، صحيح أنهن حصلن على حقوقهن بقوة القانون بعد صراع، إلا أن المرأة السعودية حصلت على جملة من الحقوق دفعة واحدة بكلمة من خادم الحرمين الملك عبدالله خلال خطابه في افتتاح السنة الثالثة من الدورة الخامسة لمجلس الشورى. • حق عضوية مجلس الشورى. • حق الترشح والانتخاب في المجالس البلدية. • حق المشاركة في جميع الأعمال. (نعم.. هي الأمانة والمسؤولية تجاه ديننا، ومصلحة وطننا، وإنسانه، وأن لا نتوقف عند عقبات العصر، بل نشد من عزائمنا، صبرًا، وعملًا، وقبل ذلك توكلًا على الله -جل جلاله- لمواجهتها. إن التحديث المتوازن، والمتفق مع قيمنا الإسلامية، التي تصان فيها الحقوق، مطلب هام، في عصر لا مكان فيه للمتخاذلين، والمترددين). لا ننكر أننا خضنا صراعًا ما، إلا أن الوضع كان سيبقى على ما هو عليه.. لولا هذه البصيرة الحكيمة التي يتميز بها خادم الحرمين عبدالله بن عبدالعزيز، وهذا اليقين بقدرات المرأة، والحب للمواطن قبل الوطن، لأن الأوطان ليست أرضًا بل مواطنين أكفاء ينهض الوطن على أكتافهم؛ لذلك جاء القرار عظيمًا عظمة مكانة المرأة في وعي خادم الحرمين، وفي حجم وطن وحد الأرض والقلوب والمصير كما قال حفظه الله. هذا القرار أنهى قضية المرأة مع الحقوق، ونأمل ونتطلع أن المقبل في هذا العهد الميمون يحل الإشكالات القليلة العالقة، مثل قيادة المرأة للسيارة التي ازدادت ضرورتها وأهميتها في ظل الوضع الجديد الذي ستكون عليه المرأة، أيضًا مشكلة ولي أمر المرأة التي تعيق حركتها، وقوانين الحماية من التعسف في مسألة الولاية، كلها معوقات نأمل من الوالد الحكيم -في المقبل من الأيام- إزاحتها من طريق المرأة كي تستطيع أداء مهامها الوطنية والأسرية والتربوية على أكمل وجه.