صالح محمد الجاسر - الاقتصادية السعودية لم يكن مستغربا ما حمله خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في مجلس الشورى من مفاجآت فاقت كل التوقعات، فقيادة بلادنا ومنذ تأسيس المملكة على يدي المغفور له الملك عبد العزيز كانت تتقدم على المطالب الشعبية بمبادرات تسبق استعداد المجتمع، فتحظى بترحيب من الغالبية ومعارضة من البعض، ومع مرور الأيام يثبت أن ما اتخذ من قرار كان في صالح المجتمع، بل ونجد من كانوا من المعارضين في مقدمة المؤيدين له، والمطالبين بتعميمه. خطاب الملك عبد الله في مجلس الشورى يوم الأحد الماضي تضمن عرضا لسياسة الدولة الداخلية والخارجية، وما تسعى الدولة لتحقيقه من إنجازات على مختلف المستويات، كما تضمن التأكيد على الوزراء ومسؤولي الجهات الحكومية كافة بعدم التخاذل عن الإسراع في تحقيق ما اعتمد من مشروعات، وأنه لن يقبل إطلاقا أن يكون هناك تهاون بأي حال من الأحوال، ولن تقبل الأعذار مهما كانت، هذا التحذير البالغ الأهمية يشير إلى أن تخاذل البعض عن القيام بما أوكل إليه من مهام محل متابعة من القيادة، والتحذير يعقبه الفعل. كما تضمن الخطاب تأكيده - حفظه الله - على التزام الدولة بالضوابط الشرعية، وثوابت الدين في أي قرار يصدر، وتأكيده أيضا على مسؤولية كل فرد عما يصدر منه من أمور تخالف هذه الضوابط والثوابت، فمن يخرج عنها فهو ""مكابر وعليه أن يتحمل مسؤولية تلك التصرفات"". الخطاب الملكي تضمن قرارا مهما، سيأخذ حيزا كبيرا من ردود الأفعال محليا وخارجيا، وهو يحقق آمال ما يزيد على تسعة ملايين مواطنة، هذا القرار هو مشاركة المرأة في مجلس الشورى عضوا، وحق المرأة في ترشيح نفسها لعضوية المجالس البلدية، والمشاركة في ترشيح المرشحين اعتبارا من الدورتين القادمتين لمجلس الشورى والانتخابات البلدية. هذا القرار الذي يعزز دور المرأة في المجتمع، وينقلها من طرح قضاياها عبر وسائل الإعلام إلى طرح قضايا المجتمع ككل داخل قبة مجلس الشورى، سينعكس إيجابا على نوعية القضايا التي تطرح من قبل المرأة، وانتقالها من قضايا شعبوية مرتجلة في بعض الأحيان، إلى طرح قضايا تهم شرائح واسعة من المجتمع. هذا القرار الحكيم سيلغي ما نشهده من مزايدات على قضايا المرأة، وسنرى طرحا يناقش القضايا الأكثر أهمية والأشد تأثيرا، بدلا من طرح قضايا مثيرة لها قبول وجاذبية في وسائل الإعلام. تحت قبة مجلس الشورى، سنرى المرأة المتخصصة، القادرة على تناول قضايا المجتمع بجدية وإدراك، وسنرى المرأة الفاعلة، التي ستتابع ما تطرحه من قضايا على أرض الواقع، وسنرى تحديا كبيرا يواجهه الرجل، بعد أن تدخل المرأة المجلس بما عُرف عنها من مثابرة وإصرار. دخول المرأة إلى مجلس الشورى وإن كانت لم تتضح آليته بعد، هل سيكون بزيادة عدد الأعضاء، أم بتحديد نسبة معينة من العدد الحالي، أم جعل عضوية المجلس مناصفة بين الرجل والمرأة، إلا أنه يشكل نقلة حضارية مهمة تضمن المشاركة الفاعلة لنصف المجتمع. اختيار المرأة لمجلس الشورى سيكون صعبا، ليس لقلة عدد المؤهلات للعضوية، وإنما لأن لدينا من الكفاءات والأسماء اللامعة والمنتجة في مختلف التخصصات ما يُصعّب الاختيار، فالمرأة السعودية استطاعت الوصول إلى العالمية، عبر إنجازاتها التي فاقت إنجازات المرأة في دول سبقتنا بقرون في مجال تعليم المرأة. فتاريخ تعليم المرأة في بلادنا لا يتجاوز عمره نصف قرن، وكانت هناك ممانعات له، ورغم ذلك استطاعت المرأة أن تسبق الرجل في مجالات علمية عديدة، وأن تحقق من الإنجاز ما أثار إعجاب العالم، ولو حاولنا حصر عدد اللواتي حُزنَ على تقدير عالمي في مجالات علمية دقيقة لأدركنا صعوبة الاختيار بين هذه الكفاءات المتعددة. لقد كان خادم الحرمين الشريفين شديد الوضوح وهو يتحدث عن دور المرأة في تاريخنا الإسلامي، ومواقفها التي لا يمكن تهميشها، وهذا ما يُحمّل المرأة في بلادنا مسؤولية مضاعفة، هي أهلٌ لها.