د. صالح بكر الطيار - المدينة السعودية استضافت باريس في الأول من سبتمبر « مؤتمر المساندة لليبيا الجديدة « الذي ترأسه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون بحضور امين عام الأممالمتحدة بان كي مون ، وبمشاركة اكثر من 60 دولة عربية وغربية . وخلص المجتمعون الى اتخاذ قرار يقضي بدعم « المجلس الوطني الإنتقالي « بمبلغ 15 مليار دولار ليتسنى له دفع رواتب الموظفين والبدء بمرحلة الإعمار لما هدمته الحرب التي لا زالت مستمرة في اكثر من منطقة والتي قد تستمر لفترة زمنية ليست بالقصيرة . والمتابع لقرار دعم ليبيا بمبلغ 15 مليار دولار يظن ان الدول المشاركة هي التي تبرعت بها من موازناتها الخاصة ، فيما الحقيقة ان هذه الدول وافقت على الإفراج عن قسم من الأموال الليبية المجمدة في الغرب بعد ان استحصلت على موافقة مجلس الأمن . ومعلوم ان نظام العقيد معمر القذافي اودع مليارات الدولارات في عدد من اكبر واشهر المصارف والمؤسسات المالية الدولية كبنك HSBC وبنك اسكتلندا الملكي وغولدمان ساكس وجي بي مورغان تشيس ونومورا وسوسيتيه جنرال. وقد جمدت كافة الاصول الليبية بموجب تعليمات اصدرها الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة حيث ان بنك HSBC كان يحتفظ ب 292,7 مليون دولار من الاموال العائدة لليبيا في عشرة حسابات، ومبلغ مشابه في صندوق تحوطي يديره البنك. اما غولدمان ساكس، فكان يحتفظ ب 43 مليون دولار في ثلاثة حسابات. ويكشف التقرير ان اربعة مليارات دولار من الامول الليبية مودعة في صناديق استثمارية، حصة سوسيتيه جنرال وحده منها مليار دولار.كما يحتفظ كل من نومورا وبنك نيويورك ب 500 مليون دولار من الاموال الليبية. ويقول تقرير مختص إن الجزء الاكبر من الاصول العائدة للهيئة الليبية للاستثمار (والبالغة 19 مليار دولار) مودعة في مصارف ليبية وشرق اوسطية، ويقول ايضا إن للهيئة ما قيمته مليارات الدولارات من الاسهم في شركات كجنرال الكتريك وبي بي وفيفندي ودويتشه تليكوم . ويذكر ان الهيئة الليبية للاستثمار التي اسست عام 2006 لديها من الاصول ما قيمته حوالي 70 مليار دولار، وتأتي في المرتبة 13 في قائمة اكبر الصناديق السيادية في العالم. والمؤكد ان الدول الغربية التي تعاني من ازمات مالية خانقة قد استفادت من قرار تجميد الأموال الليبية وأستثمرتها بما يخدم مصالحها وأن بعض هذه الدول لا زالت تمانع الإفراج عن كافة الأموال بحجة عدم صدور قرار واضح بهذا الشأن عن الأممالمتحدة . والحماسة الغربية للثورة الليبية لا تتوقف عند حدود مصادرة الأموال بل تتعداها الى ما هو ابعد من ذلك لتطال القطاع النفطي ذا المردود العالي والموجود على مسافة قريبة من اوروبا التي لا يفصلها عن ليبيا سوى البحر الأبيض المتوسط . ولهذا كان وزير خارجية فرنسا الان جوبيه «جريئا « و» صريحا « عندما قال ان « التدخل الفرنسي في ليبيا هو استثمار للمستقبل« . اما وزير خارجية بريطانيا وليم هيغ فقد قال ان بلاده لن تضيع فرصتها في الحصول على نصيبها من العقود النفطية ، فيما قالت موسكو ان لديها ضمانات بأن طرابلس ستحترم عقودها الموقعة منذ عهد نظام معمر القذافي . ومن جهتها كشفت جريدة « ليبيراسيون « الفرنسية عن وثيقة تم توقيعها بين « المجلس الوطني الإنتقالي « وبين باريس تقضي بأن تحصل هذه الأخيرة على ما نسبته 35 في المائة من النفط الليبي . ورغم ان الحكومة الفرنسية نفت صحة هذه الوثيقة إلا ان وقائع اخرى تفيد ان الشركة النفطية الفرنسية «توتال» دفعت «عربوناً» قيمته سبعة ملايين يورو لإعادة شراء حقوق للتنقيب عن النفط من شركة يملكها رجل الأعمال الفرنسي اللبناني زياد تقي الدين وتدعى «نورث غلوبال أويل أند غاز كومباني» وذلك قبل سقوط طرابلس بأسابيع ، مما يعني ان التحضيرات كانت جارية على قدم وساق لمرحلة ما بعد القذافي وخاصة في باريس ولندن اللتين تعتبران ان الثورة الليبية انتصرت بفضلهما وليس بفضل اميركا او الدول الأوروبية الأخرى وأن من حقهما الحصول على ثمن هذا الإنتصار. وحتى « المجلس الوطني الإنتقالي « كان يعلم تماماً انه ما كان للغرب ان يقف بجانب الثورة الليبية لولا وجود النفط ولهذا كانت قيادات هذا المجلس تردد بإستمرار انها ستحترم عقود ليبيا مع الخارج وتحديداً منها العقود النفطية . والمؤكد ان المملكة العربية السعودية كانت تعي حقيقة ما يجري وراء الكواليس ولهذا ارادت ان تنأى بنفسها عن هذه الصفقات المشبوهة فاكتفت بدعم حقوق الشعب الليبي في التغيير من خلال المنظمات الإقليمية والدولية سواء في إطار جامعة الدول العربية او المؤتمر الإسلامي او مجلس الأمن ، وتركت التفاصيل لقوى أخرى حتى لا يقال يوماً ان الرياض كانت شريكاً في صفقة على حساب « ثورة « من غير المعروف بعد من سيقودها الى مرساها الأخير بالنظر لما تختلط فيه العقائد والإيديولوجيات من اسلام متطرف الى ليبراليين الى قوميين الى اركان سابقين في نظام ادركوا بعد اربعين سنة من المشاركة فيه انه كان نظاماً دكتاتورياً وظالماً ..! هذه هي الثورات التي تقوم في بعض الدول العربية والتي تتحول وقوداً الى مشاريع استثمارية للغرب تحت قناع دعم « حرية الرأي والتعبير « وتكريس « الديمقراطية « واقرار «الإصلاحات « . والسؤال هو هل كان الغرب سيقف الى جانب الثورة الليبية لو لم تكن دولة نفطية ؟ وماذا عن صحة ما تردد عن لسان ساركوزي بأنه يتوعد الجزائر بأن دورها سيكون العام المقبل ..؟ . وماذا عن العقوبات التي تفرضها الدول الأوروبية على القطاع النفطي السوري دون ان تمس الشركات النفطية الأوروبية الناشطة في هذا المجال؟.