جمال سلطان - الاسلام اليوم كان في الجاهلية الأولى أعراف ومواثيق، ليست مكتوبة، وقليل منها المكتوب، إلاّ أنها كانت أعرافًا وليدة الفطرة النقية الصافية، مثل نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف وإجارة المستجير، ونحو ذلك، وعندما جاء الإسلام عزّز من هذه القيم، وأضاف إليها قدسيّة الصلة بالوحي الإلهي، وشهير موقف النبي الكريم من "حلف الفضول" وقوله: لو دُعيت له في الإسلام لأجبت، وقد ذكّرني بهذا الحلف بعض ما قرأته على مدار الأشهر الماضية من مجموعة مقالات وتصريحات من أقلام وأصوات مختلفة في توجّهاتها الفكرية، من يمين ويسار وإسلاميين وعلمانيّين، وحتى من هم على غير دين الإسلام من أبناء العرب، والخيط المتصل بين هذه الكتابات جميعها هو الانتقاد الحادّ والمرير، وإعلان الغضب والبراءة من ظاهرة التفسّخ الأخلاقي والدعارة الإعلاميّة التي يُروَّج لها الآن عبر أكثر من منبر ووسيلة إعلامية، وخاصة مصيبة ما يُسمّى "الفديو كليب" ومثل الاحتفالات الصاخبة الراقصة التي تهيج فيها حركات الجنس ورائحة الجنس وأصوات الجنس، بين شباب معظمهم مراهق، وأغلبهم يعاني من هموم اجتماعية معقدة، وفقدان ثقة في المستقبل، وحتى فقدان ثقة في القدرة على إشباع شهوته بالحلال، وإعفاف نفسه بطريق الفضيلة والمروءة والطهر. لقد بدا أن "الضمير" العربي قد أفاق أخيرًا أمام موجة الانحلال التي تكبر كل يوم بصورة مريبة للغاية، وأصبح هناك سباق واضح بين نساء لا يملكن قطرة حياء واحدة، ينتسبن زورًا إلى الفن، وهن إلى البغاء أقرب، وكل واحدة تخرج على الناس بأغنيات مصورة فاحشة للغاية، فتثير ضجة وصخبًا، فتأتي من بعدها من تزايد على ذلك، وتأتي بأفعال أكثر فضائحية وإجرامًا ابتغاء الشهرة الرخيصة والمال الحرام، وأصبحنا أمام سباق إجرامي لا يعرف أحد إلى أين ينتهي بنا وبأبنائنا وأجيالنا المقبلة، ولا يمكن أن نسمح لمثل هؤلاء المستهترات أن يدمّرن مستقبل مجتمعاتنا لحسابهن الخاص، ولحساب من يسوّقْن أجسادهن وأشرطتهن، ويحصدن الملايين من الدولارات في حساباتهن البنكية، والخطير في الأمر أن "مؤسسة" الفساد والخنا المقنع التي تدير هذا السباق الإباحي تدرك أن مجتمعاتنا تتمزق الآن أمام تحديات سياسية مصيرية وقضايا معقدة، والناس منهكة للغاية، حكومات وشعوبًا، أمام هذه التحديات، وبالتالي لا يملكون الطاقة والفراغ الذي يكفي لإلجام هذه الموجة المجرمة، والشياطين يستغلون هذا الإرهاق المجتمعي للتسلل عبر أكثر من وسيلة وأسلوب، لممارسة تجارتهم الحرام. ولكن هذا السباق الإجرامي الذي تصاعدت وتيرته في الفترة الأخيرة أزعج الجميع بالفعل، ولم يعد هناك أحد في قلبه أو ضميره مسحة من إيمان أو مروءة يمكن أن يدافع عن هذا الذي يحدث، على الرغم من وجود القلة التي أعماها الجدل الإيديولوجي العقيم مع تيارات إسلامية أو محافظة، فأنساها أن الخطر يتسلل إلى بيوتهم وأولادهم وبناتهم وأحفادهم، وما لم تتضامن الأيادي والعقول والضمائر النبيلة الكريمة لصد هذه الموجة الخطيرة، فسوف يأتي هذا اليوم، وبأسرع مما يتصور الناس، ولعل هذا ما يدفعنا إلى مناشدة ذوي الضمائر الحية من كل الاتجاهات والتيارات المختلفة إلى تنسيق جهودها النبيلة من أجل مواجهة هؤلاء المتاجرين بأعزّ ما تملك أمة الإسلام. إن العالم العربي الآن مؤهل لاستقبال "حلف الفضيلة" الذي يبدو أنه يتشكل الآن دون ترتيب أو تنسيق، وقد نكون على موعد مع انتفاضة الضمير وثورة الفضيلة، لحماية ما تبقّى لنا من أخلاق وروابط أسرية، ولا بد للإسلاميين أن يعزّزوا من تواصلهم مع الجميع إعلاميًّا وثقافيًّا من أجل أن ينمو هذا الحلف ويزهر، ولا بد أن يتضامن الجميع لنصرته، مهما كان توجّه صاحبه الفكري. المسألة الآن، أسبق من الفكر ومن التوجّه الإيديولوجي؛ فالمروءة من الفطرة، والفطرة هي إنسانية الإنسان، قبل الفكر وقبل السياسة وقبل المصالح، وحلف الفضيلة الذي نأمل أن يكتمل عربيًّا هو علامة خير على أن الأمة ما زالت بعافية، وأن ضمائرها ما زالت خضرة نديّة. بوركت أقلام الفضيلة، وبورك حلف الفضيلة.