في ثقافة العسيريين الشعبيّة، يشتهر أهالي قرية "جو آل امنجيم"، التي ينتمي إليها الدكتور محمد النجيمي ويُنسب، بأنهم أهل روحٍ جماعية مرحة، ونكتةٍ حاضرة، وتعليقات ذكيّة لاذعة، سواء أكانت تلك على الأحداث، أم على الشخوص هيئةً وفعلاً، وهم محبون للجمال والحياة، والفن الشعبيّ الذي يجري مع دمائهم، كجريان "الغيل" في عروقِ أرضهم الفاتنة، المتربّعة على عرشٍ من الغيم، فوق القمة العليا من جبال السروات، حيث الضباب يهشّ برذاذه على الأغصان المنعّمة. إنها البيئة الذكيّة، حيث لاتغضبُ الطرقات من عابريها، ولا تتعذّبُ جملةُ بوحٍ في فم صادق، ولا يمضي الناس إلى كهوف حزنهم كاظمين كلامهم في الصدور، ولا يستترون من الصدق بغير النقاء الشفّاف. هنا، نشأ محمد بن يحيى النجيمي، ذو الخلق الرفيع، والضحكة المجلجلة، الودود جداً، إلا حين يرى في الهدنة ضعفاً، وفي التراجع جهلاً، وفي الصمت ضعفَ حجة، وفي الهجوم شهرة. النجيمي، ذو "الامتيازات"، عبر مراحله الدراسيّة كلّها، فقد حصل على الشهادة المتوسطة والثانوية من المعهد العلمي بتقدير امتياز، وحصل على الشهادة الجامعية من جامعة الإمام، في تخصص الفقه وأصوله سنة 1405 بتقدير امتياز، وحاز درجة الدكتوراه في الفقه وأصوله من الجامعة الإسلامية سنة 1414، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف. هذه "الامتيازات"، تعني ذهناً متقداً، و عزيمةً فائقة، بيد أن اختلاف الناس حول شخص النجيمي ورؤاه، وطريقة تعاطيه مع القضايا والشخوص، تجعل المحايد ميّالاً إلى القول إنه ذو عزيمة فائقة، لكنه ليس ذا ذكاء خارق، يجعله يتعامل مع الناس والأشياء بما تتطلبه الرويّة المبتغاة في "فقيه"، يُفترض به ألا يكون عجولاً في لفْظٍ أو حكم، وألا يصل فهم بعض أقواله وأفعاله إلى الازدواج الذي يحيل الرأي الفقهي إلى انتصارٍ للذات، حدّ تمترس تلك الذات خلف "اختلاطٍ عارض"، يناقضُ أخاه الدائم، وما ذاك إلا بسببٍ من كثرة المواجهات، وحشد الأضداد، والاستجابة لدواعي الخلاف والاختلاف، عبر كلّ وسيلة، وفي كلّ حين. الذهنُ المتّقد، والقدرة على الاستنتاج الفقهي، جعلا من الدكتور النجيمي عاشقاً للمواجهات بكلّ أنواعها، وربّما يصح وصفه بأنه عاشقٌ للهجوم العنيف، دون استثناءاتٍ، أو احترازات، إذ لا يتردّد في المواجهات الشفاهية الحية، سواءً أكان غاضّاً الطرف أحياناً عن هويّة الآخر، وتوجّهه، أم عارفاً به. إنه لا يتردّد في الهجوم بلغةٍ لا تعرف الاعتدال، على من أسماهم في غير حوار ب"الليبراليين" و"اليساريين" و"بقايا الشيوعية", ومن كانوا "يعتنقون الفكر القومي والناصري والبعثي"! النجيمي لايعتدل عندما يختلف، وقد يصل إلى التجريح، وتقسيم المجتمع إلى فئتين: إحداهما فوق تلّةٍ مطلّة، والأخرى في كهفٍ مظلم، حتّى إنّه يصف الفئة التي صنع منها عدواً بأنّهم "لا أرضية لهم في المجتمع, ولا أحد يعرفهم, وصوتهم نشاز"، ويتجاوز ذلك أحياناً إلى القسوة المتشنّجة، حين قال عنهم ذات حوار : "إنهم حثالة" يتطاولون على الدين ويقدحون في الثوابت, ولا يقبلون الحوار, وسقطوا في انتخابات البلدية سقوطاً مزرياً"! النجيمي، حالةٌ ثقافية ممتازة، عند النظر إليه بوصفه فاعلاً ومستجيباً وقادراً على الرأي، وأنموذجٌ أكاديمي أكثر امتيازاً، عند النظر إلى قدرته على الإنتاج والاستنتاج، وعند التأمل في مؤلفاته، وبحوثه المنشورة في المجلات العلمية، وهو لايحتاج سوى الانفكاك من عقدة المريدين، وشهوة الجمهور، التي ربّما جعلتُه يقول ما يريدون لا ما يريد، لا يحتاج إلا هذا، لأن النجيمي الفقيه الودود جداً في واقعه مهيأ للحب والتسامح والاعتدال والحوار الهادئ واللاتصنيف.