جيل الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، أوهنته السياسة، ولم يخرج منها سوى بالأوهام والسراب. كان هذا الجيل يعايش الثورات، والهزائم، والنكبات، وكانت السياسة خبزهم اليومي. والذين عاشوا منهم حتى الآن، يتذكرون هذه السنوات ويتحسرون على أوقاتهم التي أهدروها وهم يلهثون خلف السياسة. هذه الأيام، يتشكل في العالم العربي، جيل جديد، يستنسخ تجربة الجيل الماضي، ولكن مع إيغال أكثر في الشأن السياسي، والشيء اللافت أن قناة الجزيرة، عندما أرادت أن تجاري هذه المسيرة، لم تجد سوى العودة إلى تلك الأغنيات التي كانت تشعل جذوة الحماس في ذلك الجيل، فعمدت إلى بث أغنيات حماسية لأم كلثوم وسواها من المغنين الذين واكبوا الحقبة الناصرية وحقبة الانقلابات المتوالية في سوريا وسواها من البلدان العربية التي كانت تشهد حراكا في أعقاب التحرر من الاستعمار. هذا الاستنساخ للأصوات القديمة، بدا وكأنه استدعاء لتك الروح التي تغني: أخي جاوز الظالمون المدى، وغيرها من أغنيات الزمن القديم. ولكن لا أحد يقول أبدا، إن هذا الجيل تعرض للخيبات المتوالية، لأنه بدا وكأنه يسير خلف سراب كانت ملامحه تتشكل من سلسلة من المغامرات التي كانت تنتهي غالبا إلى الفشل، فلا الوحدات الاندماجية بين مصر وسوريا نجحت، ولا الثورة التي تأججت إبان حرب اليمن بالتدخل المصري آنذاك منحت الثوار ما يأملون، ولا التهديد برمي إسرائيل في البحر أفضى إلى شيء سوى نكسة ونكبة أشاعت مزيدا من اليأس. جيلنا الجديد، متورط في استنساخ أحلام الأمس، وهو يتوق إلى أن يصوغ واقعا جديدا، لكن يبدو أن الثمرات بعيدة، وشديدة المرارة. ومع تزايد موجة الحماس، لا يجرؤ البعض على الصدع بالحقيقة، فمثل هذا الكلام يضع صاحبه في قافلة ""الفلول"" بالتعبير المصري الشعبي أو المخذلين بالتعبير العربي الفصيح.