محمد المسعودي - الوطن السعودية (ممنوع دخول العزاب) أو (للعوائل فقط) عبارتان تؤرقان شبابنا بل تصيبهم بالاكتئاب عندما تتردد في حياتهم الاجتماعية متأرجحة بين ألم التناقضات، وازدواجية ممارسات الواقع، وحلقة لن تجدها في العالم بأسره من مسلسل خصوصياتنا الذي لا ينتهي، والقصة تبدأ بحجج كثيرة هنا وهناك تصوب سهامها نحو شبابنا وفتياتنا بممارسات تربوية خاطئة، واتهامات مطلقة نحو فكر همجي أو (غزلنجي) في جميع اتجاهاتهم الأربعة، وتلك مشكلة أزلية في تربيتنا واتجاهاتنا واتهامات معلبة تحت نظرية (الشاب السعودي متهم حتى تثبت براءته). لن نتجاوز الاعتراف بصحة تلك الاتهامات، فهناك تصرفات رعناء تغلبها اللامسؤولية من بعض الجنسين بتفاوت، ولم نسأل أنفسنا، ما أسباب تلك التجاوزات؟ ومن أين مصادرها؟ ولم نكلف أنفسنا أيضاَ حتى المشاركةً في معالجتها أو توجيهها تربوياً في مدارسنا أو منازلنا أو مجتمعنا. وكي نكتشف التناقض، دعونا ننطلق في رحلة تأمل لشبابنا وفتياتنا سياحة أو تعايشا؛ نجد مشاهد متكررة في مدن عربية لشباب يختالون في شوارع (حريتها) القاصرة ليلاً ونهاراً وكأنهم على (بيست) الحياة ممارسة من برج عاجي صنعته الطفرة السعودية والتناقضات التربوية الاجتماعية التي جعلت منهم سُرة الأرض التي انطلق منها العالم، لا نظام يحكمهم هناك بل أرض خصبة لغطرسة السلوك الإنساني، فهم متعجرفون بأموالهم والسلطوية التي يمارسونها بأثر رجعي على دول سمحت بذلك مقابل (النُقطة النفطية) ونجاح موسم سياحي سنوي..! وللمتأمل نفسه لمشهد يجعلك تحدق عينيك صوب نفس الشباب بهيئتهم وبجيناتهم في أسواق دول القانون بصفة عامة، تجدهم يذهبون في طريق مؤدٍ إلى الأمان الذاتي والاجتماعي، فقلما نجد حادثة واحدة عن شاب سعودي داخل سوق أو في حديقة عامة كان متحرشاً، أو كان على زجاج سيارته حتى لو كانت مصنوعة من الذهب (معرضاً) لرقم جواله المميز! ولن يجرؤ ذلك الشاب على التحرش بفتاة. تلك التناقضات تثبت لنا أن الفرق يكمن في تطبيق القانون من مكان لآخر باحترام ووعي ذاتي، إنه قانون حازم يكفل الأمان الذاتي الاجتماعي للجميع ليعتدل الإنسان ويستقيم. القضية برمتها؛ تربية ونظام وحسن نوايا، وتدبير إنساني تربوي بوعي ذاتي واجتماعي فقط نحو اتجاهات واستعدادات يحتاجها شبابنا؛ فمرحلة الشباب كما يشدد عليها في كل زمان ومكان خبراء التربية وعلماء النفس، أنها من أهم مراحل الإنسان وأطولها. إحصائيات تعدادنا السكاني في المملكة تقول إن نسبة من تقل أعمارهم عن 40 سنة من مجتمعنا تصل إلى 82.6% وتمثل نسبة الشباب الذين تنحصر أعمارهم بين 10- 29 عاما حوالي 40.9%، فأين سيذهب بالله عليكم هذا العدد الهائل وطاقاته المنطلقة في مجتمع يرفضه في كل مكان يذهب أو يتجه إليه؟ كثير من شبابنا لعب فيهم الفراغ والدعة والبطالة حد الامتلاء مشاكلاً وهموماً ومعاناةً، فماذا علينا انتظاره عندما يرتكز علاج (المنع) ضده غير كبت يولد انفجارا، واتهامات نظل نحاسبهم عليها في كل شاردة وواردة؟ لماذا يتجه أبناؤنا للخارج وهم في كل موسم سياحي داخلي لا يجدون ذواتهم في مشاريع تواكب اتجاهاتهم؟ مع بقاء عبارة (ممنوع دخول العزاب) تقابلهم في كل ركن كلوحة استقبال عند بوابات مدننا السياحية، فهل نعتقد أن كل ما نفعله علاج مناسب لمنعهم ومراقبتهم واتهامهم؟ القضية باختصار؛ وفروا لشبابنا مشاريع وبرامج تفيدهم يمارسونها برغبةٍ لصناعة الحياة وتنميتها، ثقفوهم ولا تعلموهم دروساً تربوية تلقينية معلبة للأخلاق، لا تمنعوهم أو تحجروا عليهم وحاسبوا المتجاوز منهم لحدود نفسه والآخرين، استوعبوهم بدلاً من الوصاية عليهم وهدر طاقاتهم في كيفية التمرد إلى التجاوزات، أرجوكم حاسبوا المتجاوز (فقط) وبطريقة قانونية إنسانية تكفل للجميع حقوقه نحو تربية ذاتية فإن لم ننظر للموضوع في تعلم النظام واحترامه بل استيعابه من مدرسته، ومنزله ومجتمعه فلن نجعل للإنسان قيمةً في حياته متحكماً بذاته نحو حياة نفسية واجتماعية آمنة، وإن فعلنا في تربيتنا فأعتقد عندها أننا سنزيل كل لوحات المنع ولن نضطر إلى تقسيم للبشر على الأقل لأجيالنا القادمة!.