منذ صدور \"الوطن\" المطبوعة وإلى تاريخنا اليوم وهي تحظى بإقبال كبير ومتنوع من مستويات مختلفة للقراء في اتجاهاتهم الفكرية والثقافية مابين درجة السماحة والوسطية لديهم ودرجة الرفض والتشدد تجاه الفكر المخالف حتى وصل الأمر إلى نعتها \"بالعفن\" نسبة لما تنشره من أفكار وآراء ومطالبات لا توافق توجههم الفكري أو سماحتهم الدينية، ومازال التعدي على كتّاب \"الوطن\" بأبشع الاتهامات الفكرية والسلوكية لمجرد رأي مخالف تحمله مقالة ذلك الكاتب مستمراً! ونلاحظ أن غريزة الجذب للطرف المخالف ملموسة جداً بالنسبة للمطبوعة حيث إن الكثير ممن يرفضها لسياستها أو لأشخاص كتابها وفكرهم نجدهم من المتابعين لها بشكل يومي وبالدقيقة وخاصة ما يطرح في موقعها الإلكتروني وهذا أكبر شاهد تاريخي لتلك التناقضات الثقافية التي تشير إلى مستويات القراء كمواطنين في التعبير عن رأيهم الشخصي مما جعل \"الوطن\" تتميز عن غيرها من المطبوعات في منح القارئ حرية التعبير كتنفيس يختلف في حدته وتقبله للآخر\" وهذا ما نحتاجه على المستوى العام \"التنفيس\" وبالرغم من رداءة مضمون الكثير من تلك الآراء التي قد تمتد حتى لحياة الكاتب الشخصية والشكلية لأن الكاتب عبرّ عن رأيه الذي يمثله فقط ولا يمثل الكل والمجال مفتوح مابين مؤيد ومعارض لكن عندما نسلط الضوء على الطرف المعارض نلمس مدى السخط والعنف الذي بلاشك هو موازٍ للعفن الفكري بل قد يتجاوزه ! فإذا أخذنا ما ينشر في المواقع الإلكترونية في الاعتبار فإنها تمنح المرسل حرية لا حدود لها لنشاتها من وراء ستار ونموها في الظلام، لذلك فإنها تعطي فرصاً لا حدود لها في التواصل المزيف مع الآخر بخلاف الرأي المباشر الذي يضع الآخر في قولبة فكرية وجسدية تحد من تجاوزه على الآخر ! لكن العفن المنتشر عند بعض فئات المجتمع لا يمكن قياسه أو الحد منه لأن ذلك من طبيعة البشر التي لديها نزعة ميالة للخطأ لكننا نسعى للحد من تلك النزعة عندما تطال الطرف الآخر بكل سهولة متجاوزة الحدود الشرعية والأخلاقية والأمنية بهدف أن تعبر عن رأيها المخالف فقط ! وهذا ما نخشاه فعلاً على استقرار الوطن الأم الذي يحظى بنعمة لا تقدر بثمن \"نعمة الأمن والأمان\" وبدأ يغزوها خفافيش الظلام برأيهم المعاكس الذي لم يخلف لنا إلا الرماد! فالمشاهد التي بدأت تظهر لنا بكل أسف للتعبير عن الرأي الآخر سواء كانت فكرية أو حيّة مزرية بدأت تهدد الأمن النفسي للطرف الآخر، وتهدد الأمن الوطني والفكري، لذلك فإن دور مركز الحوار الوطني خطير إذا لم يحقق إلى الآن الرقي بمستوى الرأي المخالف مهما كانت حدته، لأن من أهداف المركز الأساسية الرقي بالحوار للجميع، ويا حبذا أن يتخذ من تلك المواقع مصدراً هاماً ومرجعية موثقة لقياس مدى تقبل الآخر لدينا بسماحة لينطلق من خلاله لوضع آليات مناسبة ترتبط بتطوير مستوى الحوار مع الآخر والذي مازال بحاجة لدورات مكثفة على جميع المستويات والتي ستساعدنا كثيراً في الحد من العفن الفكري والسلوكي والاجتماعي.