محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ - الجزيرة السعودية في الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى المصرية تتكرر هذه الأيام مقولة أن المملكة هي التي تدعم ما يُسمى بالمد السلفي المتشدد في مصر، وتموله، وتسعى إلى تمكينه، كي يكون صوته قوياً ومسموعاً؛ في حين أننا كنا من أكثر الشعوب العربية معاناة منه، ومن ثقافته، ومن ويلاته، وبالذات خلال العقدين الماضيين. كانت المملكة قبل أن تتضخم ظاهرة المتشددين واحة من واحات الأمن والطمأنينة والهدوء والرخاء والتآخي بين أبناء المجتمع الواحد؛ وما إن عادت إلينا طلائع هؤلاء المشددين الحركيين من أفغانستان حتى بدأنا نشعر أنَّ ثمة (حركة) متطرفة، تنتشر وتسعى إلى تشويه مفاهيمنا، وتزايد على الشريعة، وتدّعي (السلفية)، وتخلط ما هو عقدي بما هو فقهي، وما هو (توقيفي) لا يجوز مخالفته بما هو محل (اجتهاد) واختلاف بين الفقهاء سلفهم وخلفهم؛ وكان هدفهم من كل ذلك هدفاً سياسياً محضاً. كنا نعرف أن هؤلاء ساسة لا دعاة، وأنهم طلاب هدم لا سواعد بناء، وكنا نعرف -أيضاً- أن مثل هذه الدعوات ستصطدم حتماً بالواقع، وبمصالح الناس، وبالتنمية بمعناها الواسع؛ لأنها تستمد حججها وخطابها من تاريخٍ مضى وانتهى ولم يعد له وجود؛ وقياس الحاضر على الماضي -كما يفعل هؤلاء القشريون- هو قياس مع وجود الفارق؛ هذا الفارق يتمحور في أن دولة اليوم، ومتطلبات الحياة فيها، و(التعايش) مع من يحيا فوق ثرى هذا الكوكب، (تختلف) عن دولة الأمس، وحياة السلف، وكيف كانوا يعيشون في الماضي. هؤلاء في بلادنا يَدّعون -أيضاً- أنهم يمارسون نهج (السلف) الصالح، ويزعمون أنهم من رواده، بل ومن كبار دعاتها؛ ومع ذلك نجاهدهم نحن السعوديين بكل ما نملك من قوة، ونسعى إلى تحجيمهم، ونعمل على (تنقية) بيئتنا منهم ومن تطرفهم؛ فكيف نمولهم وندعمهم ونرعاهم بالله عليكم؟.. لقد ذقنا من هؤلاء الحركيين المتطرفين الأمرّين، وتعلمنا من تجربتنا التاريخية خلال الثلاثة عقود الأخيرة، أنَّ المنطقة العربية أولاً، والإسلامية ثانياً، وحدة متكاملة ثقافيّاً وفكريّاً؛ فما يحصل في مصر أو العراق -مثلاً- لابد وأن نتأثر به، وما يحصل في باكستان أو أفغانستان أو إندونيسيا سيطالنا منه قدرٌ ليس بالقليل؛ والعكس صحيح أيضاً؛ فمنذ أن رحل شبابنا إلى أفغانستان يُجاهدون السوفييت في الثمانينيات من العقد المنصرم، ثم عادوا، ابتلينا بالتطرف؛ فتناثرت أشلاء أبنائنا ورجال أمننا في الطرقات وعلى الأرصفة، وتحولت منشآتنا الحكومية والإدارية والحيوية إلى ما يشبه الثكنات العسكرية، تحفها الكتل الخرسانية من كل جانب، ويقف عند مداخلها الجنود المدججون بالسلاح يتفحصون المارة بآلات الكشف عن المتفجرات، خشية من أن يتسللَ إليها واحدٌ من هؤلاء (المخبولين) فيفجر ويقتل اعتقاداً منه أنه يُجاهد (الكفار) الذين هم حسب معاييرهم كل من اختلف مع ما يطرحون. ولا تكاد تمر فترة من الزمن إلا وتكتشف السلطات الأمنية في بلادنا خلية (نائمة) تنتظر التعليمات لتقتل وتهدم وتريق الدم الحرام.. فكيف والحال هذه، سندعم من سيعودون إلينا طال الزمن أو قصر، كما عاد إخوة لهم من قبل، وعاثوا في بلادنا فساداً وقتلاً وتدميراً؟.. صحيح أن بعض طلبة العلم الديني في بلادنا يغلب عليهم التشدد، وضيق الأفق، وربما السذاجة، والخلل في قياس حياة اليوم بحياة السلف، فيخرجون بين الحين والآخر بمطالبات واجتهادات فقهية لا يمكن أن تكون قابلة للتطبيق في هذا العصر؛ غير أن هؤلاء المتشددين موجودون في كل أنحاء العالم، وفي كل الملل والنحل، وليسوا قصراً على دينٍ بعينه، ولا يمكن -أيضاً- أن نلغيهم بجرة قلم، لأن التطرف والتشدد ظاهرة إنسانية تعاني منها كل الأديان في كل زمان ومكان؛ إنما المهم أن يبقى هؤلاء خارج دائرة التأثير، وبعيدين عن آلية صناعة القرار. وقبل أن أختم أريدكم أن تضعوا هؤلاء المتطرفين على طاولة التشريح الفكري والتاريخي، وتطرحون السؤال التالي: هل هؤلاء أقرب إلى (فكر السلف) التقليدي، وبالذات رؤيته الحازمة في إثارة الفتن والشغب في المجتمعات، أم هم أقرب إلى (الخوارج)، فكراً ورؤية ومنهجاً وشغفاً بالتكفير حتى في صغائر الأمور؛ وأترك لكم الإجابة. إلى اللقاء،،،