عبدالله ناصر العتيبي - الحياة اللندنية عرضت قناة العربية يوم الاثنين الماضي مشهداً يظهر اثنين من نواب مجلس الأمة الكويتي وهما في عراك كلامي يدور حول من هو النائب الذي يخدم الأمة بصدق؟ أهو النائب المعارض أم النائب الموالي للحكومة؟ كان المتحاوران يتبارزان بسيوف الكلمات وعيونهما على كاميرات التلفزيون، كان كل واحد منهما يوجه حديثه للآخر شكلياً فقط، بينما هو في الحقيقة يتحدث للناس جميعاً بطريقة استعراضية من أجل الخروج بمكاسب قصيرة وبعيدة المدى. النائبان المتخاصمان على الهواء هما النائب المعارض مسلم البراك والنائب الموالي للحكومة خلف دميثير وكلاهما مرشحا قبائل معروفة بالكويت، وللحقيقة فلم أستسغ شخصياً طريقة لوكهما للكلمات ولا طريقة مناقشتهما التي كانت «الأنا» متضخمة فيها بشكل كبير جداً، لأني مؤمن أن الوضع في الكويت خلال السنوات الماضية أفرز كائنات تدّعي الديموقراطية في أجواء لا يمكن وصفها بالديموقراطية، الأمر الذي شكل خللاً في طريقة تعاطي المجموع الكويتي، أفراداً وحكومات، مع آلية مشاركة الشعب في تسيير أمور البلد، تشريعاً ومراقبة، من خلال قاعة عبدالله السالم بمبنى مجلس الأمة الأنيق. النائبان البراك ودميثير كلاهما استفادا من الوضع الهلامي الرجراج لما يعرف بالديموقراطية الكويتية، فقد بنيا سوياً جبال شهرتهما وصيتهما ومصالحهما من خلال خبرتهما الواسعة في طريقة التعامل مع حجم الأهمية الحقيقية لصوت الناخب الكويتي. البراك يعرف أن الديموقراطية في بلده متحققة في نصفها السفلي، المتمثل في نزاهة اختيار الناس لممثليهم، ويعرف أيضاً أنها متعطلة في نصفها العلوي المتمثل في تداول السلطة، لعدم أحقية النواب المنتخبين في اختيار رئيس مجلس الوزراء، والذي هو حق خالص فقط لسمو أمير البلاد. البراك يعرف هذه الأمور جيداً، لذلك اختار أن يكون في الجانب المعارض كل هذه السنوات، وسيبقى كذلك لأن المعارض في الكويت لا يمكن ان يكون له دور في تكوين الحكومة حتى ولو اصطف جميع أعضاء مجلس الأمة في جانب المعارضة. البراك يعرف أن نجوميته التي بناها على مدى السنوات الماضية ستختفي لو مال إلى الحكومة، يدرك أنه سيدخل غياهب الجب كحال الموالين الآخرين الذين فضلوا الرضا الحكومي وما يلحقه من منافع برغم ظلامه ورطوبته، لذلك اختار دفء المعارضة ونورها، وللسبب نفسه اختار دميثير الموالاة حتى ولو كان نصيبه من الشهرة أقل حظاً، كلاهما يبحثان عن وجودهما المعنوي الخاص، وما ظهورهما بهذا الشكل السمج على قناة العربية إلا تأكيداً منهما، وبذهنية واعية جداً، على تكريس تموضع كل منهما. البراك يريد أن يكرس معارضته في وجدان الأمة، ودميثير يريد أن يلفت عيون الحكومة له، ليظل الحارس الأمين و«المفضل» لقول الحكومة وفعلها تحت قبة البرلمان. وعوداً على بدء، وإجابة للسؤال الذي افتتحت به هذه المقالة: من هو النائب الذي يخدم الأمة بصدق، أهو المعارض أو الموالي؟! أقول لا المعارض ولا الموالي يخدمان المواطن الكويتي حالياً، فكلاهما يميلان إلى مصالحهما الشخصية التي وجداها في جانب المعارضة والموالاة على التوالي، والخاسر الوحيد هو المواطن البسيط الذي تعرض لنكسة تنموية شديدة بسبب النظام البرلماني غير الفاعل الذي لا يوجد إلا في الكويت!. هذا البرلمان الذي لا يملك إلا أن يستجوب ويعطل، ويعود فيستجوب ويعطل بسبب السماح له بالحركة في الأسفل وقمعه من الأعلى. الكويت التي كانت في ستينات وسبعينات القرن الماضي مثال حي للتقدمية والمدنية والتطور تحولت بفضل تراكم مساوئ البرلمان منذ 1963 وحتى اليوم، وبلوغها حداً معطلاً، إلى دولة متوقفة عن التنمية، وتالية لدول مجاورة كان اسم الكويت بالنسبة لها فبل 30 أو 40 عاماً مقترناً للازدهار والحداثة. ستسمر الحال ال (براك – دميثيرية) بالوجود في الواقع الكويتي، بل أنها ستزداد صلادة وقوة مع مقبل الأيام خصوصاً بعد دخول الجانب القبلي للعبة وهو الذي كان مغيباً تقريباً في مجالس الأمة السابقة، فقد كان يُكتفى بترشيح القبيلة لممثلها في الانتخابات التشريعية، ثم تنتهي علاقة النائب بقبيلته بمجرد دخوله البرلمان، كانت العملية تشريفية للقبيلة نفسها وتشريف من القبيلة لنائبها، لم تتعد المسألة ذلك منذ الستينات وحتى قبل سنوات قليلة، كان النائب القبلي يدخل للبرلمان على حصان قبيلته، لكنه كان يؤدي دوره النيابي باسم الشعب جميعاً ، إلا أن المشهد تغيّر مؤخراً بوقوف النائب مع قبيلته في وجه جهات معارضة لمجرد أن «معتوهاً ما» استعدى السلطة على هذه القبيلة! أصبحت القبيلة بفضل بعض المنظرين الضد – قبليين والناشطين والنواب القبليين مكوناً سياسياً له نوابه ووزرائه، فها هو الكاتب الضد – قبيلي نبيل الفضل يطالب رئيس مجلس الوزراء بالتخلص من الدكتور محمد العفاسي وزير العدل والشؤون الاجتماعية لمجرد أن السيد الفضل يظن أن قبيلة العفاسي تقف ضد السلطة، مع أن العفاسي لا علاقة له بولاء القبيلة للسلطة ولا وقوفها ضدها! وها هو الدكتور عبيد الوسمي أيضاً يطالب الوزراء الذين ينتمون لقبيلته بالاستقالة من الحكومة لمجرد أنه غير راض عن أدائها! أظن أن الحال (البراك – دميثيرية) ستستمر، وبالتالي سيتمر التعطيل التنموي في الكويت، ولن يوقف هذا العبث البرلماني السياسي سوى أمرين لا ثالث لهما: السماح بإنشاء الأحزاب التي ستقضي بطبيعتها على الفئوية الطائفية والقبلية، وتسمية رئيس مجلس الوزراء تحت قبة البرلمان ومن خلال ممثلي الشعب. متى ما استطاع الكويتيون التخلص من هواجسهم المتعلقة بهذين الأمرين، واستطاعوا إطلاق ديموقراطيتهم من جديد، فستعود العجلة للدوران، وسيختفي دميثير والبراك والفضل تباعاً، وسيكون قد سبقهم في الاختفاء محمد الجويهل!. يغضب بعض الأصدقاء الكويتيين عندما أكتب عن ديموقراطيتهم، لكني أعود وأؤكد أن الكويت هي الأمل الوحيد لنشوء الديموقراطية العربية، لذلك تتوالى مقالاتي عن ديموقراطيتهم المنقوصة على أمل اكتمالها في يوم ما.