لو سألت واحداً أو أفراداً من المسلمين عن ضرورة تحقيق وحدة الأمة لفاجأوك بوعيهم واهتمامهم بهذه القضية ، ولربما ألقى عليك بعضهم محاضرة في معاني هذه الوحدة وأهميتها ومقوماتها وسبل تحقيقها . وما ذاك إلا لأن الشارع قد تشبع من طرح هذه القضية ، فالمؤتمرات بحثتها ، والدراسات محَّصتها والقرارات تناولتها لكن تبقى إرادة التنفيذ ، والقدرة على خلق هذه الوحدة على أرض الواقع. ويتساءل البعض : لماذا لا نرى حزماً وعزماً وهمة لتحقيق هذه الوحدة ؟ هل لأن هذه الوحدة مطلب خيالي وحلم من أحلام اليقظة ؟ أم لأن هذه الوحدة لا يمكن أن توجد إلا في معاجم اللغة وكتب شرح المفردات ؟ أم لأن هذه الوحدة محكوم عليها بالفشل كلما لاحت بوادر تحقيقها ، لأنها تخيف الشرق والغرب ؟ وإذا كان الشرق والغرب يعملان جاهدين لإجهاض وحدتنا لأنها تهدد مصالحهم أو تحرمهم من امتيازاتهم فلماذا لا يوجد بيننا ذوو همة يسعون لمصلحة أمتهم ودينهم ؟ الآخرون ينظرون إلينا كفطيرة دسمة تفتح شهيتهم لالتهامها لكن قطعة قطعة ، وما ذاك إلا ليتلذذوا بطعمها وليسهل مضغها وابتلاعها . ونحن وبكل أسف قدمنا أنفسنا على مائدة العالم وجبة تغري الطامع والجشع والمتربص والعدو . لا يشك أحد في أن الأماني والتصريحات والمؤتمرات لا تكفي ما لم يصاحبها إرادة سياسية وعزم رسمي على جمع الشمل وتوحيد الصف وتعاضد السواعد للنهوض من هذا الواقع المرير . كما انه لا يشك أحد في أن هذه الإرادة السياسية وحدها لا تكفي ما لم يكن هناك دعم ومؤازرة من الأمة كلها وبكل أطيافها. ولكي تتوافر الإرادة السياسية ، ولكي تتمكن الأمة كلها في السير خلف أصحاب القرار لتحقيق الوحدة ، لا بد من أن يستجيب الجميع للأمر الرباني بالاعتصام بحبله والالتفاف حول شريعته . {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } .