منذ أكثر من ثلاثة عقود والصحافة السعودية تطرح قضية قيادة المرأة للسيارة. في السابق كان الكلام يُطرح عبر أعمدة الكتّاب والصحافيين. في السنوات الأخيرة دخل على الخط علماء الدين والفقهاء. دخولهم لم يعقّد القضية كما كان متوقعاً. فكلهم أجمع على أن قيادة المرأة ليست محرّمة لذاتها. لكنه لا يكتفي بهذه العبارة، وإنما يحاول إيجاد مبررات من التقاليد والعادات للوقوف في صف المحافظين الذين يرفضون جلوس المرأة وراء مقود السيارة في الشوارع العامة. بعض علماء الدين والفقهاء ممن تصدوا لهذه القضية بات يبحث عن تخريجات لمداراة خواطر المحافظين، رغم إيمانه بأن الدين لا علاقة له بهذه القضية، فضلاً عن أن المخاوف التي يطرحها يمكن ان تنطبق على أدوار كثيرة أصبحت المرأة تمارسها. مواقف بعض فقهاء السعودية من القضية تكررت كثيراً خلال السنوات الماضية، ولعل أبرزها موقف للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، رحمه الله، من قضية صورة المرأة في بطاقة الهوية. فهو أجاز وجود صورتها على الهوية، وذلك في حوار صحافي، نشر في جريدة «المسلمون» الدولية التي كانت تصدر عن الشركة السعودية للأبحاث والتسويق. لكنه اتصل بالجريدة بعد صدور العدد ونشر توضيحاً، لم يتراجع فيه عن فتواه، بل وضع شروطاً، وضوابط في قضية التصوير، مراعاة لبعض من جاء إليه، من الشيوخ والشباب، وقال له إن إجازة الصور بلا ضوابط ستفضي الى التوسع في قضية التصوير، الى غير ذلك مما ذكره العلاّمة الشيخ ابن عثيمين للصحافي الذي نقل عنه التوضيح، ولهذا بقي التصوير في مرحلة رمادية. لا شك في ان إدارة حوار قيادة المرأة للسيارة بعناوين دينية، عقّدت الموضوع وأساءت الى صورة الدين. وحريّ ببعض الفقهاء ان يتصرف مع القضية مثلما فعل الإمام أبي حنيفة مع الرجل الذي جاء إليه وقال له: «يا إمام! منذ مدة طويلة دفنت مالاً في مكان ما، لكنني نسيت هذا المكان، فهل تساعدني في حل هذه المشكلة؟ فقال له الإمام: ليس هذا من عمل الفقيه؛ حتى أجد لك حلاً...» وبقية القصة معروفة. فقيادة المرأة للسيارة ليست من عمل الفقيه، وهي من اختصاص المرور الذي اكتفى بالتفرج والصمت. الأكيد ان القضية لن تحل بمناظرة في الصحف، لكنها بحاجة الى قرار سياسي يستند الى كشف الأخطار والمشاكل، والتجاوزات الأخلاقية التي يتسبب فيها السائق الذي يعيش داخل منزل الأسرة، فضلاً عن الخسائر المادية والمعنوية التي يتكبدها المجتمع.