أصدرت «اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء» السعودية فتوى تحرّم عمل المرأة ك بائعة «كاشير»، في الأسواق والمحال التجارية. الفتوى جاءت متعارضة مع توجهات رسمية شجعت عمل الفتيات السعوديات في غير مجال، وكان أبرزها قرار وزارة العمل التي سعت الى إلزام أسواق بتهيئة أماكن عمل للنساء تحقق الضوابط الشرعية. الفتوى بنيت على فكرة واحدة هي الاختلاط ومفاسده. لم تنظر الى الجوانب الأخرى، لم تتطرق الى الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها بعض النساء. تجاهلت أخطار البطالة. كان حرياً بالفتوى أن تجمع المفاسد والمصالح وتبني رأيها على هذا الأساس، ولهذا أخذ عليها بعضهم أنها غير مؤصلة، رغم أن فقهاء الحنابلة يقولون أن «للعجوز والبرزة حضور جمع الرجال. ونقلوا عن الإمام أحمد أنه يباح للعجوز وغير العجوز»، والفتوى نظرت الى الأمر بطريقة غير إنسانية. حرّمت عمل المرأة من دون مراعاة لوضعها الاقتصادي والاجتماعي. هل هذا سائغ شرعاً؟ على أي حال، الجدال الذي أثارته الفتوى في أوساط فقهية يفتح الأمل بإجابة أخرى عن السؤال الذي أثار القضية. ذكّرتني فتوى «الكاشير» بحادثة قديمة. في عام 1989 كنت أعمل رئيساً لتحرير صحيفة «المسلمون» الدولية. كانت تصدر عن الشركة السعودية للأبحاث. طلبت من الزميل شريف قنديل إجراء حوار صحافي مطول مع فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين. رتّبنا الموعد. سافر قنديل الى مدينة عنيزة حيث كان يقيم الشيخ رحمه الله. عاد زميلنا شريف بحديث مثير مع الشيخ، ربما كان أهم حوار صحافي مع ابن عثيمين. أهم ما جاء فيه أن الشيخ العلاّمة أباح التصوير الفوتوغرافي، رغم ان الموضوع كان محل جدال بين بعض العلماء في السعودية. بعد ثلاثة أيام، تقريباً، على نشر الحوار اتصل الشيخ محمد بن عثيمين. وطلب منا أن ننشر توضيحاً حول حواره مع جريدة «المسلمون». تراجع الشيخ، أو كاد. حاولت أن أثني ابن عثيمين عن موقفه، لكنه أصر. السبب الذي ساقه الشيخ هو ان بعض الأخوان جاء إليه وقال له ان النساء والأولاد استغلوا الفتوى وعلّقوا الصور على الجدران، وطالبوه بأن يتراجع ففعل. وهو استخدم تعبير «ضغطوا عليّ». هل تعرضت لجنة الافتاء لضغط ما لإصدار فتوى تحرّم عمل المرأة ك «كاشير»؟ هل يمكن أن تصدر اللجنة توضيحاً على طريقة الشيخ ابن عثيمين؟ سننتظر ونرى.