عادت للواجهة مرة أخرى القصة «الفزاعة»، وهي قيادة المرأة للسيارة بالسعودية، وتأتي عودتها هذه المرة في ظروف مختلفة، وتحت تهويلات إعلامية اقتضتها الظروف التي تمر بها المنطقة، وفي توقيت يبحث فيه البعض عن أي شيء يتعلق بالسعودية. الإشكالية الأساسية أن الجدال حول أحقية المرأة بقيادة السيارة هو تحولها إلى استعراض قوة، فإن سمح للمرأة بالقيادة فهذا يعني انتصارا لتيار على آخر، وإن لم يسمح فهو دليل على قوة ذلك التيار مقابل الآخر، وهذا كله خطأ، فلا يجب أن يكون الأمر كذلك، ومن التسطيح حصره بهذا الاتجاه. فشرعا هناك جملة من العلماء الكبار الذين يرون جواز قيادة المرأة للسيارة، وتنظيميا لا يوجد ما يمنع، وسبق للملك عبد الله بن عبد العزيز أن قال بأن قضية قيادة المرأة للسيارة هي قضية اجتماعية، والأمر نفسه قاله ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز، والنائب الثاني الأمير نايف بن عبد العزيز، وكرره أيضا وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، إذن أين الإشكالية؟ الإشكالية بكل بساطة أن موضوع قيادة المرأة للسيارة تحول إلى رهبة نفسية لدى جميع الأطراف، لأنه حمل رمزية خاطئة، وهي صراع التيارات، ولا بد من أن يتم اتخاذ أمر حاسم بهذه المسألة، ويجب أن ينظر لها على أنها أمر طبيعي، مثل عمل المرأة طبيبة وخلافه، وليس انتصارا لتيار على آخر، لكن لا بد أيضا من استيعاب أمر مهم، وهو أن قضية قيادة المرأة للسيارة ليست أمرا يؤخذ بلحظة، وكأنه قانون رفع الطوارئ بمصر أو سوريا، فهناك أمور لوجيستية من مرور، وخلافه، فالإشكالية اليوم أنه مع التغطية الإعلامية لأحداث المنطقة بات هناك تسطيح وإفراط باستخدام المصطلحات. فهذه سيدة سعودية قامت بقيادة سيارتها في جدة، ولم يقَل لها شيء، وأخرى فعلت نفس الأمر بالرس وأوقفتها الشرطة لساعات وأخلي سراحها، بينما قصة الفتاة السعودية الأخرى في الخبر فهي مختلفة، حيث أوقفت وأبلغت بأن الأمر مخالف الآن لعدم وجود تنظيم، لكنها عادت في اليوم الثاني وقادت سيارتها، وتم تصويرها ووضعها على «يوتيوب» للتحريض، وهذه معالجة غير حكيمة بالطبع. وعليه، فإن القضية الأساسية هنا أن قيادة المرأة للسيارة بالسعودية قادمة لا محالة، فلماذا يجعل منها قصة بطولة؟ الأجدى أن يعلن فورا عن تشكيل لجنة لدراسة الأمر، يراعى فيها جملة اقتراحات، منها: السماح باستقدام سائقات، لمن يرغب بذلك، من أجل تهيئة المجتمع، والسماح للسعوديات من سن محددة بالقيادة لمرحلة داخل مدن محددة، كمرحلة أولى، على أن تخفض السن لاحقا، وتعمم التجربة بباقي المدن السعودية، وذلك لمراعاة تهيئة الظروف اللوجيستية من مرور، وخلافه، ويتم اشتراط الحشمة بالمظهر، وقبل هذا وذاك لا بد من قانون صارم وحازم، ولا هوادة فيه لمنع التحرش الجنسي، أو التطاول على النساء. المراد قوله إن قيادة المرأة للسيارة أمر لا يوجد ما يحظره، ويمكن تفعيله بهدوء، لكن الأهم من كل شيء أن لا يسيس، لأن ذلك ليس من مصلحة أحد.