محسن علي السُّهيمي - المدينة السعودية لم تكد تنقضي الدورة الأولى للانتخابات البلدية بكل حمولاتها المُختَلَف عليها حتى حلَّت الانتخابات البلدية الثانية التي ستنطلق مرحلتها الأولى السبت القادم. انقضت الدورة الأولى وخلفت وراءها حزمة من الأسئلة التي جاءت ردةَ فعل على تباين الوعي لدى الناخبين ونتيجة ضآلة منجز المُرشَّحين. ما يلفت الانتباه في بعض الناخبين والمرشَّحين أن العقلية الانتخابية لديهم ظلت كما هي في المرة الأولى، فلا الناخب أصبح قادرًا على اتخاذ رأيه بعيدًا عن هيمنة القبيلة، ولا المُرشَّح انفك عن ممارسة عملية الاستجداء وتوظيف القبيلة لمصلحته. هل يقع اللوم على المُرشَّح الذي لم يثق في وعي الناخب فمارس معه دور الوصي وساقه إلى حيث يرغب هو؟ أم على الناخب الذي انساق تحت ضغط القبيلة المجير لمصلحة مرشَّحهم؟ عندما نقول إن ممارسة عملية الاستجداء وطَرق الأبواب وبث رسائل ال(sms) و(انتخاء) القبيلة أساليبُ غير حضارية يأتي الرد بأن الانتخابات (الرئاسية) في الدول المتقدمة تشهد مثل هذه الممارسات. وفات على هؤلاء أن هناك فوارق بين الاثنين، فمرشحونا يَعِدون بما لا يملكون، ثم إن صلاحياتهم محدودة خصوصًا أنهم لن يكونوا رؤساء حال ترشحهم فيفوا بما وعدوا، وهم يخطبون ودَّ القبيلة بتأجيج (رُوح القَبَلية) فيها. أما مرشحو الرئاسة في الدول المتقدمة فهم يعِدون بما يستطيعون تحقيقه؛ لأنهم في نهاية الأمر سيكونون رؤساء بيدهم الأمر بالتالي تتطابق أقوالهم مع أفعالهم، كما أنهم يخطبون ود (أحزاب) تشكل أطيافًا كبيرة من المجتمع ولا يحصرونها في قبيلة. لا أدري متى يوقن المرشَّح بأن رسالته أكبر من كونه ممثلاً لقبيلته -أو لتياره كما في المدن- وأنه يُتوجب في حقه أن يكون شمولي النظرة، لا تمايز عنده بين المواطنين ولا تفضيل لجهة على أخرى؟ فالملاحظ أن مرشَّحينا أثناء الحملة الانتخابية يقطعون على أنفسهم (للقبيلة) وعدًا بأن تُصرف (الخدمات) لها دون غيرها! وهو أمر يجب ألا يكون في ذهنية المرشَّح مطلقًا، ويجب على رئيس المجلس –مستقبَلاً- ألا يقبل بهذا الفكر (القَبَلي) أثناء جلسات المجلس. وقد كتبتُ حينما انتهت الفترة الأولى وقبل فترة التمديد الأخيرة مقالاً حول هذا الأمر تحت عنوان (هل تشكَّل وعينا المجتمعي؟) قلت عنه إنه «مؤشر خطير يدل دِلالة أكيدة على أن عقودًا مضت من التعليم والانفتاح ومخالطة الثقافات الأخرى والاحتكاك بالعالم الخارجي لم تُحدث أثرًا ملموسًا على العقلية الفردية مما يستوجب المراجعة المتأنية لمدخلات نظامنا التعليمي والنظر بموضوعية في نصوص خطابنا الديني والثقافي». وهنا أضع بين يدَي الناخب دعوة (اللجنة العامة للانتخابات البلدية) التي وصلتني إلكترونيًّا من (المركز الإعلامي لانتخابات أعضاء المجالس البلدية) الذي يرأسه الأستاذ (حمد العمر) بأن يتفاعل «مع هذه العملية التي وُضِعت من أجله وذلك بتفهم واستيعاب أبعاد العملية الانتخابية التي رغبت الحكومة في تحقيقها، وثانياً بمشاركته الفاعلة فيها وحسن اختيار (المرشَّح) بما يسهم في رفع كفاءة العمل البلدي». وعودًا على الأسباب التي أدت إلى ضآلة منجز المرشَّحين خلال الفترة الماضية يأتي الجواب من (المركز الإعلامي) بأن السبب يعود ل»تقصير بعض الأمانات والبلديات وعدم التعاون مع المجلس، وتعارض القرارات مع الأنظمة واللوائح والتعليمات والاشتراطات البلدية، كما أن تنفيذ بعض القرارات يكون فوق إمكانات البلدية، هذا بجانب أن بعض القرارات تكون خارج اختصاص المجلس، إضافة إلى ارتباط بعض القرارات بموافقة بعض الدوائر الحكومية الأخرى». كما أكد المركز على أحقية المرأة في الانتخابات، وأوضح أن من أسباب عدم دخولها الانتخابات هو أن «الإجراءات والاستعدادات لا بد أن تلبي المتطلبات الدولية وتنسجم مع الطبيعة الاجتماعية للمرأة السعودية، كما أن اللجنة العامة للانتخابات ترى أنه من غير المناسب أن تُقدم على هذه الخطوة قبل أن تتأكد من توفر المتطلبات كاملة في جميع مناطق المملكة». وبيَّن أن مشاركة المرأة تمت بعد (10) سنوات في مصر و(27) سنة في الأردن و(12) سنة في السودان و(43) سنة في الكويت. الشيء الذي يبدو أنه سيحدث في الانتخابات الحالية –كما لمستُه وأكدته بعض الصحف في استطلاعاتها- هو (تدني) نسبة الراغبين في الانتخابات القادمة لأسباب تتعلق بالتجربة السابقة التي لم تحقق طموح المواطن في توفير الخدمات من خلال المجالس البلدية، وليقين الناخب بأن المرشَّح ليس لديه صلاحيات نافذة، بالإضافة لما تكوَّن لدى الناخب عن المرشَّح من تصور أتى نتيجة الوعود (الفضفاضة) بتحويل البلد إلى واحات خضراء، ومد شبكات المياه، وإقامة الجسور..إلخ. ومع هذا ندعو المواطنين للمشاركة الفاعلة، فقط عليهم تغليب المصلحة العامة عند الاختيار دون النظر لأي اعتبارات أخرى، وأن يأتوا متجردين من العواطف والميول، وعلى المرشَّح أن يكون أهلاً للثقة بحيث يتحلى بالأمانة والمصداقية والشمولية. هذه الثقافة هي التي ينبغي أن تُغرس في الناخب والمرشَّح كليهما. كما أؤكد على أهمية إفهام الناخبين من قِبل اللجنة العامة للانتخابات بأن دور المجلس البلدي (رقابي) في المقام الأول أكثر منه (خدميًّا) كي لا يتحلى بما ليس فيه.