لا أعرف لماذا يعتقد بعض الموظفين الحكوميين أنهم حين يؤدون واجبهم الوظيفي لصالح المراجع أنهم يمنحونه هبة من جيوبهم؛ فلا تستغرب عزيزي القارئ لو طلب منك موظف أن تُحضر الورقة التي أخرجتها الطابعة، سواء في مكتبه أو في مكتب آخر؛ فالمواطن حين يبحث عن خدمته بموجب القانون يتم تحويله إلى مجرّد مراسل في تلك الجهة الحكومية! وليت الأمر يتوقف على ذلك؛ لأن بعضكم سيقول: «يا عم أنا على استعداد أتحول إلى مراسل وقهوجي وعامل بس تنتهي معاملتي»! ولعل الأمر الأشد مرارة هو ألا تعرف مقر الجهة الحكومية التي ستراجعها؛ فتضطر إلى أن تتصل بخدمة الاستعلامات، ليس مرة واحدة، ولا مرتين، بل ثلاث مرات على الأقل؛ لأنك في كل مرة ستحظى برقم خاطئ، وحين تحصل على رقم صحيح، أو تعتقد أنه صحيح، فلن يجيبك أحد غير جهاز المجيب الآلي، وعليك أن تحلم أن يجيبك مأمور السنترال، وإذا أجاب فعليك أن تحلم بأن يؤدي لك خدمتك عبر الهاتف؛ فكل التحويلات سترنّ في غابة مهجورة؛ فلا أحد سيتكرم بأن يجيب عن اتصالك ويخدمك بطريقة محترمة! وحين أقول طريقة محترمة أعني بطريقة مهذّبة، وغير مهينة، وكيف سيكون الأمر إذا كان المتّصل امرأة؟ سأنقل لكم هذه المحادثة مع موظف في الخدمة المدنية، أجرتها سيدة فاضلة تُدعى أم عبدالله، عاطلة عن العمل لمدة ثلاثة عشر عاماً، بعد أن حصلت على الشهادة الجامعية، وسمعت عن برنامج جدارة؛ فرفرفت بسعادة، وعاد إليها بصيص الضوء في آخر النفق؛ فحاولت أن تُقدِّم عن طريق الموقع، لكنها طبعاً تورطت مثل عشرات الآلاف الذين خذلهم الموقع بجملته المعتادة: «الرجاء المحاولة لاحقًا».. فقرّرت أن تتصل بالجهة هاتفياً، فمن موظف إلى آخر إلى ثالث إلى عاشر، ولحسن الحظ أن الموظفين الشباب كانوا في منتهى التهذيب معها، لكنهم للأسف لا يملكون الإجابة عن سؤالها؟ كيف يمكن أن أُقدِّم أوراقي إذا كان برنامج «جدارة» معطّلاً، وموعد المفاضلة بين المتقدمين اقترب؟ الموظف العاشر تقريباً، الذي حُوِّل اتصالها إليه، كان يتحدث فيما يشبه الغمغمة! يقول كلمة ويأكل الأخرى، وبدأ سخطه يضيق حين سألته: كيف نحل المشكلة؟ وهو يجيب بأنه لا توجد مشكلة! حينها غضبت المسكينة التي بعد ثلاثة عشر عاماً من الانتظار، وبعد خمسة أيام من محاولات التقديم عن طريق برنامج «جدارة»، وبعد خمس ساعات من محاولات الوصول إلى الموظف المختص، فقالت: طبعاً ما فيه مشكلة إذا كانت العقود تجيء عندك في البيت وتوقعها وما تعرف؟ فيجيبها بلغة فصحى بليغة: كذبتِ ولم تصدقي! ثم يضيف بغضب: أنتِ تكلمين «رجّال»، وهذا لا يجوز! صاحت أم عبدالله بحزن: أنا متّصلة بوزارة خدمة مدنية، ما اتصلت بدار الإفتاء! عليك أن تخدم المواطنين والمواطنات، لا أن تفتي! بكل صدق وشفافية، هل يُعقل أن هناك بعض الموظفين الذين يرفضون التحدث مع امرأة مراجعة، لم تأتِ لتعبث بل جاءت باحثةً عن حق من حقوقها بوصفها مواطنة، لم تتحدّث معه في الشارع أو في السوق، ولم تتحدث معه بوصفه مراهقاً بل بوصفه موظفاً تم تعيينه في موقع يخدم المواطن والمواطنة على حد سواء، وإذا كان لديه تحفظ في التحدث مع المرأة فليترك مكانه مشكوراً بعد أن يدرك أن المرأة تتحدث مع مفتين ومشايخ أجلاء تسألهم في أكثر أمور دينها ودنياها خصوصية؛ لأنهم مؤهلون للإجابة عن أسئلتها، تماماً كما هو مؤهل للإجابة عن سؤالها البسيط والبحث عن حل مشكلتها في تقديم أوراقها!