انباؤكم - أحمد بن عبد المحسن العسَّاف بعد فشل ثورة حنين المقرَّرة في يوم الجمعة الماضية الحادي عشر من شهر مارس عام (2011)؛ ارتجل الأمير نايف كلمة جميلة في مؤتمر العمل الخليجي مخاطباً السُّعوديين حيث شكرهم لارتفاع وعيهم ونبل أخلاقهم ووفائهم، وقال عنهم: "لقد أثبت شعبنا للعالم كله أنه في قمة التلاحم مع قيادته أمة واحدة متمسكين بدستورهم كتاب الله وسنة نبيه"، وبعد أن عمَّ بشكره المواطنين خصَّ بالشُّكر فئة مهمَّة حين قال: "أشكر سماحة مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ ولعلمائنا ولأئمة مساجدنا ولكل العقلاء من أبناء هذا الوطن". وفي هذه الكلمة المرتجلة من أحد أقوى الرِّجال في السُّعودية تأكيد على المرجعية الشَّرعية للمملكة العربية السُّعودية، وردُّ اعتبار لها ولمواثيق العلاقة القديمة بين الإمامين المجاهدين؛ والتي طالما حاول بعض كتَّابنا وممثلي ثقافتنا انتقاصها وتقويضها، ودعوة الحكومة لنفض اليد منها خاصَّة بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا. وأظنُّ بما يشبه اليقين أنَّ كلمة النَّائب الثَّاني قد كدَّرت نفوساً مريضة، وأزعجت سمَّاعين بيننا؛ خصوصاً من زوار السَّفارات الذين أوعدهم صاحب الكلمة يوماً ما، ولذا جاءت كثير من المقالات مقللة من شأن الفتوى حتى بعد كلمة الأمير القوي! لقد فشلت مظاهرات حنين بفضل الله أولاً، ثم بتدين غالبية المواطنين تديناً فطريا، إضافة إلى عوامل أخرى كوجود قدر من الرِّضا الشَّعبي وإن تخللته ملحوظات ومطالب، ولأنَّ السُّعوديين يعلمون أنَّ رابطهم الأوثق هو دين قويم، وحكومة تلتزم به، وتسعى لسدِّ ثغرات التَّطبيق ومعالجة جوانب القصور، إضافة إلى أنَّ أهل الجزيرة العربية هم مادَّة الإسلام الأولى، ولا يرضون بحال أن ينساقوا خلف الصَّفويين أحفاد المجوس؛ واستثني من أهل الجزيرة بعض ليبرالينا الذين يتسابقون إلى الرَّوافض ويتبادلون معهم المنافع، فموقفهم لا يختلف عن مواقف بعض ليبرالي البحرين والكويت تجاه شيعة البحرين. وكان للفتاوى المتتابعة التي صدرت عن هيئة كبار العلماء، ومن عدد كبير من علماء السُّعودية ودعاتها ومحتسبيها أثر واضح-وليس الأثر الوحيد- في إحباط هذه المظاهرات، وكم في وجود العلماء من بركة وخيرية إذا قاموا لله بالحقِّ الذي يعتقدونه، فهم أهل التَّبيين والبيان، وأصحاب الحل والعقد، وشركاء الحكَّام في ولاية الأمر؛ وبهم بعد الله تحفظ الأمة أمنها وكيانها ووحدتها، وباحتسابهم يحمينا الله من عموم البلاء والعقاب، فاللهم احفظ على بلادنا مرجعيتها الشَّرعية، وعلماءها الأبرار، ومحتسبيها الأغيار، وحكَّامها السَّائرين على مقتضى شرعك وأمرك. ومع هذه القيمة الكبيرة لعلمائنا، فإنَّ وسائل إعلامنا قد عاملتهم بما لا يرضاه العاقل الحازم فضلاً عن التَّقي الورع، فماذا قالت صحفنا عن اللجنة الدَّائمة أو هيئة كبار العلماء بعد فتوى المسعى والكاشيرات؟ وما هي الأوصاف التي دأبت وسائل إعلامنا في إطلاقها على أكابر العلماء والمحتسبين كالعلامة البَّراك والدكتور الأحمد؟ ألا يمكن جمع قاموس شتائم قيلت لعالم واحد كالشَّيخ المحتسب د.يوسف الأحمد- أعلى الله قدره-؟ و فوق ازدراء العلماء اعتداء آثم متواصل على ثوابتنا الشَّرعية وجرجرة المجتمع إلى مستنقع التَّغريب القذر، وبعيداً عن أي موعظة دينية فإنَّ المجتمع الغارق في التَّغريب لا يعرف شيئاً اسمه طاعة ولاة الأمر، ولا السَّمع والطَّاعة وإن جلد ظهرك وأخذ مالك! ولم يكن موقف إعلامنا لإجهاض هذه المظاهرات بالمستوى المتوقع في هذه النَّازلة الوطنية، فكل ما قيل قليل تجاه هذا الأمر، والمقارنة توضح الفرق بين هبَّة الصُّحف لاستنكار الاحتساب في معرض الكتاب والافتراء على المحتسبين، وبين تعاملها مع ثورة حنين، ويمكن متابعة أعمدة الكتَّاب وقياس وطنيتهم من خلال حروفها، وقد أدى هذه المهمَّة بإبداع وتمكن الكاتب المُسدَّد مفرح الجابري في مقالة راصدة بعنوان:"هل عجزت أقلام كتاب الصحف ..أم ماذا ؟". ولست أستغرب لطف إعلامنا مع الشِّيعة والمعمَّمين فوشائج العلاقة بين الطَّرفين مفضوحة، وقد أبانت الأحداث أنَّ الوطنية التي يدَّعونها سلاح ضدَّ الصَّالحين فقط، وإذا خُرقت الوطنية من الصَّفويين أو غيرهم فالأمر أهون عندهم من أن تنطلق كتيبة المقالات واللقاءات؛ لأنَّ التَّنادى لوأد مظاهرة طائفية أقل شاناً لدى صحافتنا من مهاجمة فتوى عابرة لعالم معتبر عن الاختلاط، وإنَّ هذا الموقف الجرئ من غالبية الصُّحف جدير بالتَّحرك لتغيير رؤساء التَّحرير وتنويع كتَّاب الأعمدة. وبعد أن خمدت الفتنة، وعمَّت الفرحة، فإنَّ الشَّعب ينتظر من حكومته أن تعيد النَّظر في مسائل كثيرة، إما بإيجاد ما لم يكن موجودا، أو بإعادة بناء مانخره الفساد كقطاع الإعلام مثلا، او بإصلاح ما يمكن إصلاحه كالاقتصاد والقضاء والتَّعليم والأنظمة وحماية المال العام وتحسين الإدارة المحلية، كما يأملون في حل مشاكل المجتمع بخطوات متقدمة جريئة؛ ومنها مشاكل البطالة والعنوسة والإسكان وغلاء الأسعار وارتفاع الرُّسوم الحكومية والغرامات الجزائية، ويأتي موضوع المعتقلين كقضية تمسُّ قطاعاً عريضاً من النَّاس ولا مناص من العدل فيه والإحسان. وهذا أوان الحكمة، والإصلاح في زمن الإمكان، وهذه فرصة سانحة لاستثمار هذا الحدث للتَّصحيح، وهو أولى من تغليب أي هاجس آخر يوحي به شياطين الإنس، فها هو الشَّعب الوفي يتطلع لأخبار تسر الحاضرين والقادمين. وقد حفظ التَّاريخ أسماء حكَّام مؤثرين على امتداد تاريخ الدَّولة السُّعودية، فالإمام محمد بن سعود -رحمه الله- ابتدأ التَّحالف الموفق مع الإمام المجدِّد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، وبعد فترة أعاد الإمام تركي بن عبد الله-رحمه الله- هذه الولاية الدِّينية والدُّنيوية، وبعد سنوات عجاف مكَّن الله للملك عبد العزيز-رحمه الله- في الأرض، وانقاد له النَّاس ليحفظ عليهم دينهم وأمنهم حتى حقَّق الله المراد، وإنَّ التَّاريخ سيظل يحفظ أسماء المجدِّدين الذي يعيدون بعث الحياة في المواثيق التي أُسس عليها كياننا الكبير، فديننا واحد، وأرضنا واحدة، ونظامنا واحد، وهذه الوحدة أوثق ما تكون عندما يلتحم السَّيف العادل بالقلم الأمين لإقامة شرع الله ورعاية مصالح العباد. الخميس 12 من شهرِ ربيع الآخر عام 1432. [email protected]