مأمون فندي نقلا عن (الشرق الاوسط) اللندنية الاستفتاء على التعديلات الدستورية اليوم في مصر سيحدد من سيحكم مصر، إن كانت النتيجة بنعم، فمعنى ذلك أن للإخوان المسلمين اليد العليا في تحديد مصير مصر ومسارها، أما إذا كانت النتيجة لا فنحن أمام مشهد جديد يتشكل لمصر جديدة يرسمها كل أبنائها وبناتها. بكل أسف لم يكن الملعب مستويا عندما سلم المجلس العسكري قضية التعديلات الدستورية للسيد طارق البشري، المعروف بميوله الإخوانية. ولا أريد أن أفهم خطأ، فالإخوان جزء من الشعب المصري، ولهم الحق في المساهمة في تشكيل الرؤية، ولكنهم ليسوا الشعب المصري كله أو وكلاءه. أتفهم أيضا موقف المجلس العسكري الذي تسلم الأمانة، وكان أمامه خياران لوجود ذراع شعبية له: إما الشباب الموجودون في الميادين المصرية، أو الإخوان. بما أن الثورة لم تكن لها قيادة معروفة، كان من الأسهل على المجلس العسكري أن يختار الإخوان، لأن لهم قيادة وتنظيما. ولكن النقطة الجوهرية هنا أنه ما هكذا تدار المراحل الانتقالية للشعوب من حالة الفساد والديكتاتورية إلى حالة الديمقراطية. الثورة لا تعني أن يسلم المجلس وعن طريق الاستفتاء رقبة الوطن لجماعة الإخوان لأنه لا يوجد تنظيم في الساحة غير تنظيمهم. ومن المهم أن يتذكر الجميع أن الإخوان قد أعلنوا منذ البداية، وعلى لسان متحدثهم عصام العريان، أنهم لن يشاركوا في مظاهرات 25 يناير (كانون الثاني)، ومعروف لمن كان في الميدان أن الإخوان كانوا يشاورون عقولهم حتى يوم 28 يناير، أي أنهم الفصيل الذي تأخر كثيرا في الانضمام إلى الثورة. وبهذا يجب ألا يكون حقهم في الثورة أكبر من الذين قامروا بحياتهم من اللحظة الأولى. تحالف المجلس العسكري مع الإخوان يعني أننا نعود إلى الوراء، ويعني فيما يعني أيضا أننا في مرحلة اللواء محمد نجيب، أي أن عبد الناصر لم يظهر بعد، وأنه قد يظهر لندخل في أزمة تشبه أزمة عام 1954 وهي كانت أزمة دستورية وأزمة ديمقراطية في المقام الأول. في الميدان وبعد موقعة الجمل، أي بعد يوم 2 فبراير (شباط)، وبعد أن بان على الناس التعب، كان واضحا أن مؤشرات ظهور عبد الناصر خلف محمد نجيب واردة وربما موجودة بالفعل. كل مؤشرات الثورة المصرية حتى الآن تقول إننا في مرحلة اللواء محمد نجيب، رغم كل ما نراه من حملات انتخابية لعمرو موسى والبرادعي وغيرهما. محمد نجيب كان واجهة انقلاب أو ثورة يوليو 1952 في مصر، والآن نرى جنرالات متقدمين في السن، بينما رأينا في التحرير مجموعات من صغار الجنرالات ممن يتصرفون وكأن بيدهم الأمر كله. أدعي، والعهدة على أذني، أنني سمعت جنرالا شابا يقول للمتظاهرين يوم 4 فبراير، عندما تعبت الناس وأراد البعض منهم العودة إلى بيوتهم، قال الجنرال الشاب: «اصمدوا أسبوع كمان».. كان من الواضح أن أمرا ما كان يدبر أو قرارا ما اتخذ بالفعل، لقد سمعتها بأذني ولم تحك لي، كان هذا بجوار مقر الإخوان في المظاهرات الذي كان بالقرب من شارع طلعت حرب. ومع ذلك فإن هذه الحادثة لا تكفي للقول بأننا في فترة محمد نجيب، ولكن ما تلاها من سلوك للمجلس العسكري ولحركة دؤوبة للإخوان في الشارع بما يبدو واضحا أنه بالتنسيق مع الجيش، هذا يقنعني أنا شخصيا بأن مصر قد دخلت مرحلة محمد نجيب. الاستفتاء اليوم سيحدد من تختار مصر أو من سيختار القائمون على الأمر، هل ستصوت الناس بنعم ويدير الإخوان البلد، أم أن الناس ستصوت بلا ويكون معنى ذلك أن الثورة قد انتصرت بالفعل. التخوف الشديد من الإخوان هو كونهم نسخة من النظام السابق، لأن الأنظمة غالبا ما تنتج معارضات تشبهها. والإخوان شبه نظام حسني مبارك تنظيميا وقياديا. في العهد السابق تعود النظام والإخوان أن يدخلوا معاركهم ويعقدوا صفقاتهم تحت الطاولة، ولكن بعد شروق شمس الثورة، ستعمي الأضواء بقايا الحزب الوطني والإخوان بالدرجة نفسها. ولأن هؤلاء تعودوا كالخفافيش أن يطبخوا صفقاتهم في الظلام، فإن هذا النور الزائد على الحد الذي اعتادوه والذي أشعلته الثورة سيجعل الطرفين يتخبطان. سياسة التخبط هذه هي التي تخيفني على مستقبل مصر، فمن تعود أن يكسب في الظلام لن يكسب في النور، ولكن إن كسب فسيكون على حساب الناس الغلابة الذين داستهم الأرجل التي لا تعرف طريقها في النور. لذلك أتمنى أن يتحسس المصريون طريقهم ويتعرفوا على خطوات أقدامهم قبل أن يدخلوا البلد في نفق أكثر ظلاما من الذي كانت فيه من قبل.