عندما رأيت الأمير الوليد بن طلال منفعلاً في مؤتمره الصحفي يوم الأربعاء الماضي وهو يتحدث عن تأشيرات الاستقدام التي تصدرها وزارة العمل.. حيث كان قبل ذلك يأخذ الورق من الجهة اليمنى على الطاولة ثم يعيده أمامه ثم ينقله جهة اليسار، ويأخذه مرة ثانية وثالثة ويخلع نظارته العادية ويلبس الطبية ثم يعيد العادية، ثم يهم بالنهوض من على الكرسي وقبل أن يستقيم يعاود الجلوس، ويتحرك ذات اليمين وذات الشمال.. أقول إني عندما رأيته هكذا زاد تركيزي في المتابعة، ونظرت إلى ما على يمينه وشماله خوفاً من أن يكون بجانبه (شوم) أو (خيزرانة)، لأني ظننت أنه مستاء من وزارة العمل لعدم إعطائه التأشيرات التي يريدها، وقد يأخذ (الشوم) ويهوي بها على رأس الوزارة ل(يدشدشه) كما فعل الشيخ صالح كامل عندما هاجم وزارة العمل (ضمنياً) بعنف شديد، واتهمها بأقبح الخصال وهي دفع المستثمرين المواطنين إلى دفع الرشوة لسماسرة يتعاملون معها إذا رغبوا في تلبية احتياجاتهم من الفيز، (وكان وزير العمل الأستاذ الفقيه بجانبه وهو يقول ذلك ولم يحرك ساكناً لا في الحال ولا فيما بعد ياللعجب الشديد!!). وقال الشيخ صالح بوضوح على ما أذكر ما معناه إن الوزارة لا تمنحه من التأشيرات التي تحتاجها أعماله إلا قليل القليل، وإن هناك سماسرة يأتونه عندما لا تستجيب الوزارة لطلباته فيعرضون عليه خدماتهم لتوفير ما يحتاجه من الفيز مقابل مبلغ عن كل تأشيرة، ويقول الشيخ صالح على ما أذكر ما معناه إنه يدفع لهم – مضطراً – فيحضرون له التأشيرات التي يحتاجها. والخلاصة أن الشيخ صالح يتهم الوزارة بأنها تقتر كثيراً على المستثمرين السعوديين فيما يخص التأشيرات ولا تعطيهم إلا القليل من احتياجاتهم ولذلك هاجمها بعنف ووجه لها أشنع التهم. كنت متحفزاً وأنا أتابع الأمير الوليد متوقعاً أن يهاجم الوزارة، وكنت أقول إذا كان الشيخ صالح قد فعل كل ما فعل ووصلت جرأته على الوزارة إلى ذلك الحد فماذا سيفعل يا ترى الأمير الوليد الذي يملك السلطة والجاه والجرأة أضعاف الشيخ صالح..؟ ولأني مثل الأمير الوليد تكثر حركتي عندما أنفعل فقد وضعت كفي الاثنتين على قوائم الكرسي ونهضت قليلاً، وظللت هكذا لا أنا جالس ولا أنا واقف متحفزاً أنتظر ما سيقوله الأمير الوليد وأقول: الله يستر.. وفجأة وجدت نفسي أستقيم واقفاً بسرعة ثم أهوي جالساً، ورفعت يدي وأنا أقول.. ما هذا.. معقول..؟!! إذ إني وجدت الأمير الوليد ينكر على وزارة العمل، بل يؤنبها، ليس لأنها لم تمنحه التأشيرات التي طلبها، أو لأنها لا تمنح رجال الأعمال ما يطلبونه من التأشيرات، ولكن لأنها تصدر تأشيرات أكثر بكثير من اللازم أي ب(الهبل) مع أن لدينا بطالة مستفحلة، ووجدته يريد من وزارة العمل تقليل منح التأشيرات أو ربما إيقافها، ويذكر حجم تأشيرات العام الماضي ويكاد يضرب يده على الطاولة محتجاً ثم يقول ما معناه: هذا كلام فاضي.. كيف تمنح الوزارة كل هذه التأشيرات ولدينا هذا الحجم من البطالة..؟! وكذلك بدلاً من أن يهاجم وزارة العمل لأنها لا تلبي احتياجات رجال الأعمال كما فعل الشيخ صالح وجدت الأمير يفعل العكس فيعاتب رجال الأعمال على عدم توظيفهم المواطنين، ويطلب من الجهات المختصة الضغط عليهم بعض الشيء ليقبلوا ذلك.. وقد شعرت بالفرح والامتنان الشديد للأمير والنشوة ونهضت بسرعة وكدت أصرخ مثل الرياضيين.. (عاش الوليد..) لكن قلت أفعل شيئاً أفضل فأكتب مقالاً أطلب فيه دعوة الأمير للمشاركة في حل مشكلة البطالة التي استعصت حتى على غازي القصيبي رحمه الله، فلعل في طريقة الأمير الوليد الحازمة الصارمة التي لا تقبل أنصاف الحلول ولا تضيع الوقت كما فعل في الاندماجات في سوقنا المالي التي لم ينجزها أحد غيره وصفقات البيع والشراء اللافتة التي قام بها.. ولكن قبل أن أفعل ذلك تذكرت مرة أخرى موقف الشيخ صالح كامل وتعجبت كثيراً كثيراً لهذا التباين والتباعد الكبير أو على الأصح هذا التطرف الشديد في موقف الأمير الوليد ناحية الشرق وهذا التطرف الشديد في موقف الشيخ صالح كامل ناحية الغرب، مع أن الاثنين كليهما مستثمران ومن رجال الأعمال، بل إن الاثنين يهتمان بالاستثمار في القطاع المصرفي، والاثنان لهما استثمارات في المجال الطبي، ولكل منهما (إمبراطورية) إعلامية لخدمة أنشطته الاقتصادية، أي أن هناك تقارباً بينهما في الميول والاهتمامات والأساليب، وكل منهما أيضاً يتسم بالجرأة والمجازفة والذكاء والقدرة على اتخاذ القرارات القوية. وقد شغلتني هذه الدهشة عن كل شيء آخر وبدأت أتأمل هذا الأمر العجيب. المفروض أن يكونا متماثلين في آرائهما ومواقفهما، أو على الأقل متقاربين، أما أن يكون بينهما كل هذا التباعد في الرأي والموقف فهذا يلفت النظر ويستدعي التأمل، فلماذا يا ترى ذهب أحدهما ناحية الشرق الأقصى وذهب الآخر ناحية الغرب البعيد..؟؟ هذا يتهم وزارة العمل بأنها تضيق الخناق على رجال الأعمال بعدم إعطائهم إلا القليل من التأشيرات التي يحتاجونها، وتعطل بهذا أعمالهم، وتؤثر بالسلب على مسيرة التنمية، وأنه من حقهم لهذا أن يلجؤوا لدفع الرشاوى للحصول على التأشيرات الكافية.. وذاك يهاجم وزارة العمل لأنها تصدر التأشيرات ب(الهبل) في حين يفترض أن تقلل هذه التأشيرات أو حتى توقفها..!! ويقول إن ما فعلته وزارة العمل كلام فاضٍ أو ما يشبه هذا الكلام، ويطلب الضغط على رجال الأعمال ليوظفوا المواطنين. بصراحة احترت كثيراً.. وقد حكيت الآن كثيراً أيضاً، ولذلك أترك الفرصة للإخوة القراء ليحكوا.. الشاطر يحكي.