في دولة تحدُّها من إحدى جهاتها بعد البحر “مصر”، وبعد الجسر “البحرين”، وبعد الجبل “اليمن”. وفي وطن يبلغ عدد “الشباب” فيه أكثر من 5 ملايين فرد “بين 15 و29 سنة”. وفي شعب يتعدّى مستخدمو “الكمبيوتر” فيه 11 مليون شخص، ويشكّل مستخدمو “الإنترنت” فيه بشهادة جوجل 27%. وفي مجتمع يضم نحو 48 مليون مشترك في خدمة الاتصالات المتنقلة، فضلاً عن جهاز تليفزيون يبث قناتي “الجزيرة”، و“العربية” في كل غرفة، وليس في كل منزل. ولأن “مصر”، و“البحرين”، و“اليمن”، و“الشباب”، و“الكمبيوتر”، و“الإنترنت”، و“الجزيرة”، و“العربية” باتت عناوين يومية لانفجارات الثورة، والغضب، والرحيل في أحيان كثيرة، والفوضى، والشغب، والعويل في أحيان أخرى. ولأن العالم أصبح -منذ سنوات طويلة- قرية صغيرة، ولأن صيحات ودعوات التغيير تنطلق من كل صوب، دون تفريق بين طبيعة شعب وآخر، وبين ثقافة دولة وأخرى. ولأن المرجفين لا يملّون من الزعيق، أو النعيق من كل حدب. لهذا كله وأكثر منه، كان مذهلاً أن يدير الشعب ظهره لدعاوى الفتن، ويفتح عقله وقلبه للوطن. لهذا كله وأكثر منه، كان مبهرًا أن يصبح المسؤول صوتًا للشعب الذي آثر الحكمة، مؤكدًا له “أن الكثير في القلب والعقل ممّا يقال له”، ولافتًا في فرح غامر أن غدًا سيردد فيه الجميع “شكرًا” لقائد الوطن. لهذا كله وأكثر منه، تأخذ التجربة السعودية في التفاعل بين الشعب وقادته وهجها الذي يجعلها عنوانًا بارزًا للإصلاح الهادئ، والتغيير الواعي، وقبل هذا وبعده للوفاء بألف لام التعريف. ولأن ذلك كذلك، يخطئ البعضُ إذا اتّهم الشعبين المصري والتونسي في غمرة الإعجاب بالتجربة الفذة للشعب السعودي بالفوضى.. ذلك أن لكل شعب ظروفه الخاصة، وثقافته الخاصة، ولغته الخاصة.. وقد كان.. انتهت التجربتان المصرية والتونسية بالفطام، أو الخصام. وقدم الشعب السعودي وقادته درسًا في التلاحم والنظام.