لايتحرك متحرك ولايسكن ساكن إلا بأمر الله عز وجل,ولا يسقط من ورقة في البر أو البحر إلا ويعلمها فاطر السموات والارض رب كل شيء ومليكه, قال تعالى ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)الانعام. تمر بالعالم حروبٌ وصراعات,دمارٌ وزلازل وفياضانات, َتقلبات في المناخ وتغيرات في الآجواء والتضاريس,وثورات تلو ثورات ورفع شعارات وإيديولوجيات,لاسيما في البلاد العربية والاسلامية! ولله عز وجل في كل هذه الحوادث والمتغيرات,حِكَمٌ كثيرة,عَلِمنا منها ماعَلِمنا وجَهِلنا منها ماجهلنا,والله بكل شيء عليم! ولكن دعونا نعرج على أهم هذه الآحداث العالمية,التي تتزاحم خلال هذا العام 1432ه,وبالتحديد ابتداءا من شهر محرم الموافق ديسمبر عام2010م, ولنستشف ما فيها من قراءات وإرهاصات وتحليلات. 1-الثورة التونسية ديسمبر2010م محرم 1432ه. ثورة عارمة اجتاحت تونس بأسرها,بعد أن بلغ السيل الزبى,ولم يعد للشعب صبر على الرئيس زين العابدين بن علي ونظامة العلماني الدكتاتوري المتسلط على جميع مفاصل الدولة,وعلى هوية الشعب الدينية التي ضيّق عليها الخناق حتى أصبحت الصلاة في المساجد بالبطاقة وبالتصريح الرسمي,وأصبح المواظب على الصلاة من المشبوهين الذين يجب مراقبتهم! لقد انتصر التونسيون في ثورتهم سريعا وبأقل خسائر في الارواح,فقد أُسقط في يدالرئيس ولم يعد يعرف ماذا يفعل ففر هاربا دون مقدمات,وترك الشعب والوطن.. ترك الشعب يستمتع بصلاته في المساجد وبقراءة القرأن الكريم وبلبس الحجاب,فقد عطش للدين. سيعود الشعب التونسي بنهم وشغف إلى دينه العظيم,وسينهل من العلم الشرعي الذي حُرم منه طويلا,وستنهال عليه الكتب العلمية القيمة والتي تحمل في طياتها العقيدة الاسلامية الصحيحة الخالية من البدع والخرافات,وستخرج تونس من مستنقع العلمانية إلى حظيرة الصحوة الإسلامية المعتدلة,بإذن الله تعالى,لآن الآمة الإسلامية جسد واحد لاينفصل,وأرى في الآفق بزوغ فجر ينبيء برفعة أمتنا وعلو شأنها..وإن كان لازال في بداياته فالصبح قريب! 2- الثورة المصرية يناير 2011م صفر 1432ه. وما أن انتهت الثورة التونسية حتى بدأت الثورة المصرية,فمصر العربية تعد امتدادا طبيعيا وعمقا استراتيجيا وفكريا للدول العربية والإفريقية منها على وجه الخصوص,ورافدا قويا لآمة الإسلام قاطبة,وقد قال صلاح الدين رحمه الله(لاجهاد إلا بمصر)لذا فقد حررها من الفاطميين وتم له استعادة بيت المقدس وإخراج الصليبيين من بلاد الشام بعد معركة حطين الشهيرة! وما أظن أن نظاما يحكم دولة إسلامية كمصر يبقى طويلا ,وهو يحاصر الفلسطينيين في معبر رفح ويضيّق عليهم الخناق ليتسنى لإسرائيل ضربهم بشتى أنواع القنابل والصواريخ,ويتجرأ مسؤول إسرائيلي على إعلان الحرب على غزة من مكتبه كمافعلتْ (ليفني) الاسرائيلية بحضور الرئيس حسني مبارك! لذا سقط النظام المصري وزُجّ ببعض زبانيته في السجون,ويُحاكََم رئيسه وحاشيته,فسبحان الله العظيم الذي نزع منه سلطانه وأذله! وأصبح للعقيدة الإسلامية النقية المعتدلة حضوراً قويا ظاهرا في أوساط الشعب,وهذا مايبشر بأن الآمة تتجه نحو الخير والفلاح! 3-الثورة الليبية فبراير 2011م ربيع اول1432ه تعتبر ليبيا ذات المساحة المترامية الاطراف امتدادا اقليميا هاما لمصر وتونس والجزائر التي أكاد أجزم أن المؤشرات تنذر أنها في طريقها للثورات الشعبية العارمة,فلن تسْلم من العدوى الصحية! ويعتبر حكم القذافي لليبيا حكما دكتاتوريا متسلطا منذ بداية انقلابه على الحكم الملكي هناك,ويعتبر القذافي نشازا بالنسبة للشعب الليبي فهو ذو ايديولجيات متقلبة تناقض الاسلام,وذو فلسفة مضطربة تافهة لاتتفق مع العقل والمنطق,والشعب الليبي شعب مسلم يكثر فيه حفاظ القرأن وأهل السنة ويقل فيه أهل البدع والخرافة,وهم الذين يقاومون القذافي ومرتزقته,وقد سخر الله لهم من يعينهم عليه وهم حلف(الناتو) وإن كنا نعلم أنهم لايفعلون ذلك لوجه الله أو لحبهم في الليبيين بل لمصالح يترقبونها بعد هذه الثورة,وكلٌ منهم يود أن يكون هو من يختطف الثورة ويحظى بعلاقاته القوية مع ليبيا الغنية بتروليا,لكنهم لايريدون أن يُسلِّموا ليبيا للمتدينين منهم,وهم لازالوا يبحثون عن (قرضاي ليبي جديد) ولكني أظن أن الله سيوفق الشعب الليبي لما فيه الخير والصلاح,فثورتهم مشروعة ضد الطاغية ! 4- ثورة حنين المزعومة مارس 2011م ربيع ثاني 1432ه لاريب أن في هذه الثورة المزعومة والمخطط لها من أعداء المملكة السعودية,عبرةً لمن كان له قلب ولب,وفيها لفتة لآولئك الذين يريدون تغيير الآنظمة في بلادهم,فيخرج من القومية والدكتاتورية إلى العلمانية,وكلها أنظمة ممجوجة بائسة,فلا يُصلح الناسَ إلا حُكم الإسلام الذي ارتضاه الله لهم قال تعالى(اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا)وفيها ما يقول لهم أنْ كونوا مثل هذا الوطن في حُكْمه ودستوره(السعودية)! أرجف المرجفون وألّب المؤلبون,وتأمر المتأمرون,ضد هذه البلاد الكريمة التي تُحكِّم شرع الله في جميع مناحي حياتها, وفق كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم,وعلى منهج السلف الصالح النقي من كل بدعة وضلالة! ولكنهم سرعان ما رأوا مالم يسرّهم ولايرضيهم,حين قال الشعب (الله ثم المليك والوطن) وقال(نحن الشعب نريدإبقاءالنظام)وحين ساد الحب والود والالتحام بين القيادة والشعب,وتوالت الخيرات والقرارات التي يعز الله بها الاسلام والمسلمين,وتصب في مصلحة الوطن والمواطن,وهذا حين طأطأ المنافقون والمرجفون رؤوسهم وأنكفأوا وذلوا,وخابوا وخسروا,حتى أنهم قد أصيبوا بالذهول والصمت الرهيب, وهم الذين ماتركوا شاردة ولا واردة مما يثير الشبه والفتن ويمس العلم والعلماءإلا وأشبعوها بحثا ونقاشا وجدلا! 5-تسونامي اليابان مارس2011م ربيع أول 1432ه وفيه عبرة وعظة للناس جميعا,أن الله على كل شيء قدير,وأنه المدبر والمصرف وأن اليابان التي وصلت إلى أرقى العلوم العصرية والالكترونية لم تستطع التنبؤ بهذا الزلزال المدمر ولم تستطع إيقافه أو الحد منه ابدا,ولو أن العالم من شرقه الى غربه ومن شماله إلى جنوبه اجتمع ليحد منه ما استطاع وأنىّ له ذلك ورب كل شيء أراد هذا.. سبحانه وتعالى رب العرش العظيم! ولاريب أن الله يخوف الناس بهذه الايات فهل من معتبر قال: وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا )وقال(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) وقال (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ )الآية فلله الآمر والحكم والقوة في كل شيء! 6-ثورة البحرين فبراير2011م ربيع أول 1432ه نُظمتْ هذه الثورة بتنظيم ايراني صفوي متعصب ضد السنة في البحرين وضد الاسرة الحاكمة هناك على وجه الخصوص,وقد ناصرها الرافضة في جميع انحاء العالم من حسن نصر الله في لبنان إلى كوهين الكويت الفارسي (حيدر),فقد تجمع الرافضة عند دوار اللؤلؤة في قلب العاصمة المنامة,وأحرقوا المنشأت وروعوا الآمنين السنة وقتلوا الابرياء من قوات الآمن وغيرهم,ورفعوا صور الخميني وخامنئي ونادوا بإسقاط النظام الملكي الحاكم هناك! بيد أن أحلام الرافضة تبددت وذهبت أدراج الرياح بعد أن وقف خادم الحرمين مع الشعب البحريني وقفة الآبطال الآفذاذ حماة الحمى والديار,وذلك حين أرسلَ قوات درع الجزيرة على الفور,فأوقف الصفويين الفرس وأتباعهم وأذنابهم وعملائهم عند حدهم...وهذه إشارة سريعة أن هؤلاء الفرس مخذولون ولن تُرفَع لهم راية,فقد مَزّق الله ملكهم مذ مَزّقوا كتاب نبينا عليه السلام! 7- الثورة اليمنية فبراير2011م ربيع أول 1432ه وقد أججتها المعارضة اليمنية ضد الرئيس علي صالح,وطالبته بالرحيل, فقدّم الكثير من التنازلات والإصلاحات,غير أنهم أصروا على عدم قبول أي شيء منه إلا الرحيل,مما جعل الامور تتفاقم ويحدث هناك مواجهات,تنبيء بحرب أهلية إذ أن شيخ قبيلة حاشد (ابن الاحمر) يعد خصما عنيدا ومعارضا للرئيس علي صالح,وهذا ماجعل الامور تزداد سوءا,حتى أصيب فيها الرئيس وبعض كبار مساعديه أثناء ادائهم لصلاة الجمعة في محاولة من المعارضة لقتله! ولقد عارض الكثير من علماء اليمن هذه الثورة الشعبية ضد الرئيس علي صالح,فهم يرون أن الوطن قد توحد في عهده,وأنه هوالمناضل القوي ضد الثورة الحوثية التي تؤججها ايران وحزب الله في شمال اليمن وأنه ممن يتصدى لعناصر القاعدة في اليمن,ويرون أنه من المشهود لهم بالصلاة والصيام والحج,,وأن الخروج عليه سيؤدي إلى تفلت أمني وحروب أهلية وصراعات,سيما أن شعب اليمن شعب مسلح! غير أن المعارضين يرون أن الرئيس قد حكم اليمن أكثر من ثلاثين عاما وقد يورّث ابنه السلطة من بعده,وأنه قد جمع ثروة هائلة خلال حكمه,مما فاقم من البطالة والفقر في جميع انحاء البلاد! ولعل في خروج المعارضة على الرئيس إشارة وعبرة,تدل على خطر المجازفة بالخروج على الحاكم المسلم مالم يُرَى منه كفر بواح عندهم من الله فيه برهان,وهذا ما يُهدد الشعب اليمني الذي يوشك أن يوقِعَ نفسه في حرب أهلية طويلة الآمد! 8- الثورة السورية فبراير 2011م ربيع أول 1432ه ثورة الشعب السوري ضد نظام الرئيس بشار الاسد,ثورة غريبة جدا,فما كان أحدٌ ليتوقع أن يثور الشعب ضد الحزب الحاكم هناك,وليس هذا لعدالة هذا الحزب وحب الناس له ,بل لقبضته الفرعونية المتسلطة وجبروته وطغيانه, التي ورثها عن أبيه الهالك حافظ الاسد الذي أذاق الشعب أصناف العذاب وقتل في يومين عشرين الفا من المتظاهرين في حماة عام82م! لكن التسلط والظلم والاستعباد,جعلت هذا الشعب الكريم يثور كالبركان ويتفجر كالزلزال,فكسّر الحواجز بقوة وبسالة وإباء وانطلق من المساجد,ولم ينطلق من الميادين العامة ولعل في هذا تفاؤل بالنصر المؤزر للثورة السورية! ولم يكتف الرئيس السوري بدباباته وطائراته ومدرعاته لصد الثورة بل استعان بإيران وحزبها الشيعي في لبنان برعاية حسن نصر الله حتى هاجرت جماعات من الشعب السوري الى تركيا وبعض الدول المجاورة هربا من سطوته وظلمه وجبروته التي ليس لها حدود ! وقد كشفتْ الثورة السورية كثيرا من الاوراق من أهمها أن سوريا ورقةُ في يد ايران ويد حسن نصرالله,وأن بشار حارسٌ أمينٌ لإسرائيل وكشفتْ حقيقة بعض العلماء المبتدعة,من القبوريين الذين كان لهم وزن في الدعوة والتأليف,وبيّنتْ للمسلمين قاطبة أن صاحب البدعة لاينصر الاسلام ولايُعتمدُ عليه في الازمات,فهو مُخذّل مخذول ولاينصر الدين إلا أهل المعتقد الصافي السليم,أهل التوحيد الخالص لرب العالمين! وينطبق عليهم قول الشاعر: ستعلم حين ينكشف الغبار**أخيل كان تحتك أم حمارُ فقد بدوا أبواقا تدعم النظام وتفتي له ومن أجله,وكشفت انحياز مفتي سوريا (حسون) إلى الشيعة والتشيع حتى غدا صوتها الصارخ! ولاريب أن نجاح ثورة سوريا سيحْدث تحولا كبيرا في تاريخ وسياسة المنطقة,وسيكون فيها نجاح للعرب والمسلمين,ونهاية للتوغل الايراني في المنطقة العربية,وذوبان سريع لحزب الله الشيعي وتحولٌ في عمليات السلام الاسرائيلية الفلسطينية! غير أني أخشى أن زمن الثورة سيطول ريثما تترتب الاوراق الايرانية الاسرائيلية,فإيران تلعب الشطرنج السياسي بخبث ومهارة, والموساد كبيرهم الذي علمهم الشطرنج! إن المتأمل في كل هذه الآحداث ليجد فيها العظة والعبرة, والقدرة الالاهية المبهرة,غير أن المؤمن الحقيقي ينظرا ليها من منظور اسلامي,ويقيسها بمقياس الشرع العادل,وما عليه إلا أن يدعو الله ويستغفره ويتوب اليه,ويسأل الله أن يجعل فيها خيرا للاسلام والمسلمين,وأن يحقق لآهل السنة والجماعة كل ماتصبوا اليه من خير وسؤدد وفلاح! [email protected]