د.يوسف بن أحمد القاسم - الاقتصادية السعودية الإيجار قد يكون لأعيان وقد يكون لأشخاص، فالأول كإيجار العقارات والسيارات وغيرها، والثاني كإيجار العمال لبناء متاجر أو لحمل أثاث وغير ذلك، ثم إيجار الأشخاص قد يكون خاصا أو مشتركا، فالأجير الخاص يستأجر على أن يعمل للمستأجر فقط، كمن يستأجر عاملا ليبني له سور منزله، أو فلاحا ليحرث له مزرعته، وأما الأجير المشترك فيكترى لأكثر من مستأجر، بعقود مختلفة، ولا يتقيد بالعمل لواحد دون غيره، كالطبيب في عيادته، فهو يأخذ الأجرة بناءً على عمل يقدمه للجمهور، حسب الوقت الذي يحدده هو (أي الأجير)، لا ما يحدده المريض (أي المستأجر). وكل هذه الأنواع مباحة شرعا، بل إنها من أكبر الأدوات التي تسهم في بناء اقتصاد الفرد والدولة، وتحقق الاستقرار والرخاء للفرد والمجتمع. فالعمالة المستأجرة كان لها الدور الكبير في تشييد العقارات وغيرها. وإيجار العقارات المشيدة كان لها الدور الفعال في سد حاجة النزلاء المستأجرين. ومؤسسات تأجير السيارات والناقلات والأجهزة المختلفة.. أسهمت بشكل كبير في تحقيق حاجيات متنوعة... إلخ والاستئجار كما يكون لأفراد، فإنه يكون لمؤسسات وشركات، بحسب تخصصاتها المختلفة، بل وجدت تخصصات لم تخطر للناس على بال..! فوجد مثلا أفراد وشركات تقدم خدمات الإيجار في المجال الأمني أو العسكري..! والشركات الأمنية في العراق المعروفة بشركة ""بلاك ووتر"" أكبر دليل على هذا النوع من التخصص، فارتحلت هذه الشركة بأفرادها الأمنية والعسكرية لتحط رحلها في العراق، وتذيق الشعب العراقي الأمرين بقتل الأبرياء، واستهدافهم بالذخيرة الحية..! وهكذا لم تعد الشركات اليوم ذات مسؤولية مطلقة ومحدودة في المجال المدني فقط..! بل أضحى لدينا شركات ذات مسؤولية جنائية..!! وفي هذه الأيام (سنة 2011) استأجر النظام الليبي المجرم أفرادا مرتزقة من خارج حدود بلده؛ ليقوموا بدور جنائي ضد أبناء شعبه، فغدا أمام شعبه في صورة المحتل، فيستهدف بيوتهم بطائراته الحربية، ويزهق أرواحهم بسواعد مستأجرة من الخارج، يحملون السلاح كما كان يحمله الطليان، ويزهق به ""المحتلون السود"" أرواحهم كما فعله ""المحتلون البيض""، مثلا بمثل، سواء بسواء، فأعاد إلى أذهان شعبه الفترة المروعة للاحتلال الإيطالي حين دخلوا أرضهم (سنة 1911) أي بعد 100 عام بالتمام والكمال..! فكان الدفع بالأفارقة إلى ليبيا بقيادة القذافي يعيد التاريخ نفسه بدفع الطليان إليها بقيادة موسيليني..! أما واقعة ""الجمل"" المصرية، فتدل على إن إيجار المرتزقة ""البلطجية"" للإيقاع بالمدنيين قد يكون على ظهر بعير أو بغل أو حمار..!!.. أكرمكم الله. إن فكرة المرتزقة التي تفتقت من ذهن المدمر القذافي فكرة خبيثة، ومكشوفة، قد يعجز إبليس الرجيم عن ابتكارها، وبالقدر نفسه هي دنيئة للغاية، لا تتفتق إلا عن ذهن مشحون بالشيطنة، وممتلئ بالبغض والحقد على شعب أعزل.. باختصار شديد. هي جريمة لا يملك ناصيتها إلا من ملك ناصية الشر، واحترف الجريمة طيلة أيام حكمه.. فهل تستغرب هذه الكتائب المستأجرة من شخص أباد في يوم واحد أكثر من 1200 مواطنا ليبيا عام 1996، وربما كان حينها يحتسي فنجانا من القهوة أو يرتشف كوبا من العصير؟ هل تستغرب هذه الكتائب المستأجرة من شخص استهدف شخصيات عدة بالاغتيال أو بالتخطيط له مدة تربعه على كرسي الرئاسة؟ هل تستغرب هذه الكتائب المستأجرة من شخص فرّ منه أبناء شعبه زرافات ووحدانا؛ خوفا من بطشه منذ تولى الحكم، فلاحقتهم جيوبه المستأجرة إلى مقار إقامتهم خارج البلاد، فاغتالتهم بيد الغدر والخيانة؟ إن الإيجار حين يتحول إلى أداة لقتل الأبرياء، واستهداف المدنيين، فإنه يصير كبيرة من كبائر الذنوب، ويصبح استئجار المرتزقة لقتل المعصومين أعظم إثما وأبلغ جرما من الاستئجار على حمل الخمر، وبيع الخنزير، ومن استئجار الفرج الحرام. قديما أجاز المالكية للحاكم أن يستأجر غير المسلم للجهاد الذي ينشر به العدل، ويحارب به الظلم، واليوم يستأجر بعض الحكام أشخاصا لسحق شعوبهم، فيا لها من مفارقة. وقديما تحدث الفقهاء عن استئجار الأجير لخدمة الآدمي، والقيام بشؤونه التي تحقق له الرفاه، واليوم يستأجر الأجراء للإجهاز على الآدمي، والقضاء عليه.. فهل يتقدم العصر الآن، أم يتخلف..؟