** لم يعجبني ظهور الشيخين (سلمان العودة) و(عايض القرني) وغيرهما في بعض الفضائيات العربية.. يتحدثان عن الأزمة الليبية بلغة لم نعهدها فيهما.. وباهتمام كبير لم أتوقعه منهما.. ** فأنا أحد الذين يجلّون مشايخنا.. ويقدرون الشيخين الجليلين على وجه التحديد.. ويرون فيهما صوتاً معتدلاً ومتوازناً.. ومتفتحاً.. في وقت نحن نعاني فيه من الانغلاق والتشدد وضيق الرؤية.. ** فلقد استمعت إلى الكثير من الخلط الشديد عند تناول الوضع هناك.. بين ما هو سياسي.. وبين ماهو أمني.. وبين ما هو ديني.. وبين ماهو اجتماعي ونفسي وأخلاقي.. وكنت أتمنى أن لا يكون الحدث قد استدرج شيوخنا للخوض فيه بمثل هذا الالتباس الشديد.. ** لماذا ؟! ** لأنني أؤمن بأن (الدعاة) لهم دور.. وعليهم مسؤولية.. وان ذلك الدور وتلك المسؤولية (القيمية) يستمدونهما من عقول (راجحة) وإدراك كامل.. بأن الدعوة إلى الاصلاح تحكمها أطر وقواعد ومقومات محددة.. لاسيما حين تكون المطالبة بالإصلاح ذات أبعاد سياسية بحتة كما هي الحال الراهنة في أكثر من بلد عربي.. ** لأن الخوض في هذه القضية لابد وان يكون مقنناً.. وعلمياً.. ومتخصصاً أيضاً.. ** وأن دور (الدعاة) في التعامل مع هذه القضايا معني بالتركيز على الجوانب القيمية والاخلاقية وبناء المعنويات بعيداًعن الخوض في التفاصيل المتصلة بالحالة نفسها.. ** صحيح ان النظام الليبي قد استفز العديد من الدعاة والمشايخ.. وتعمد الاساءة لهم.. وتشويه صورتهم.. وتقديم بعضهم بصورة مؤلمة للنفس.. بما قدمه لهم من (تزلف) له.. واشادة سابقة به.. ودعاء له بالبقاء والاستمرار لنصرة قضايا الأمة.. وضمان تقدم الشعوب .. ** لكن الاكثر صحة هو.. ان تلك المشاهد التي قدمها الاعلام الليبي عنهم كان يجب ان تكون بمثابة درس لهم.. يدفعهم إلى أن يفكروا ألف مرة في المستقبل قبل تكرار ما بدر منهم.. وصدر عنهم من مواقف سجلت عليهم وأساءت إليهم في النهاية.. حين باركوا سياسات وتوجهات ومواقف تلك القيادات ومنها قيادة النظام الليبي.. ** غير أن ما حدث هو .. أن تلك الحملة الليبية الشديدة على العديد منهم قد دفعت البعض إلى الرد عليها.. بعد أن استدرجهم (العقيد) إلى (المستنقع) بسهولة .. وأثار حنقهم .. ودفعهم إلى الدخول معه في حرب كلامية لا تليق بالدعوة ولا بالدعاة.. ولا تتصل بها من قريب أو بعيد.. ** وما تابعته من مداخلات الشيخين بصورة أكثر تحديداً جعلني أُحس بأن الوقت قد حان لكي نفكر بشكل مختلف في دور مؤسسات القضاء والدعوة وأن نجلها وننزهها ونرتفع بها عن الخوض في قضايا لا شأن للدعوة ولا للدعاة بها.. ولا يجب ان ينزلوا في معالجاتهم إلى مستوياتها، سواء كانت تلك القضايا اجتماعية.. أو اجرائية.. أو تنظيمية.. ومن باب أولى أن لايقحموا أنفسهم في قضايا سياسية.. أو ذات طبيعة متداخلة تخص الأنظمة.. وتنغلق بروابطها بالشعوب.. وتحدد مسارات بعض الاجراءات الادارية التي لا علاقة لها بالقضاء أو الفتوى أو الشأن العام.. ** أقول هذا من موقع الانسان الذي يُجل المؤسسة الدينية ويرتفع بها إلى مستوى الرسالة التي اناطها الدين الاسلامي الحنيف بها.. ** وأقوله احتراماً لمكانتها في النفوس.. وتبجيلاً لها من الخوض في مسائل خلافية.. هي محل التباس .. ولا ضرورة لدخولهم فيها.. ** وأقوله من باب الإعزاز لمكانة رجل الدعوة.. ورقياً بفكر الدعوة.. وخطابها الذي لا يجب ان يقُحم نفسه في أمور.. تحسب عليه أيضاً. *** ضمير مستتر: **(الكبار يظلون كباراً.. ولا يقبلون لمكانتهم العظيمة بأن تهتز لدى الناس)..