لم يكن في وسع الإنسان الأول النظر إلى الأشياء لجمالها.. بل كانت فائدتها الحسية هي التي تعنيه.. ولكن حين شب عن الطوق تنبهت في داخله أحاسيس تتطلع الى اكثر من الفائدة.. فانداحت نظرته الى الاشياء وراح يحدق فيها من زوايا عديدة.. ومن اهمها زاوية الجمال الذي تتعدد معانيه بتعدد ألوان ادراكه وتلقيه. نحن درجنا على سنة الاولين وورثنا مقاييسهم وتقويمهم.. وتلك المعايير التي بنيت على حقائق واقعية حينا ووهمية في اغلب الاحيان.. فنفضل – مثلا – انسانا على اخر بميزان القبلية، وهو ميزان وهمي.. انغرس في السلوك البشري منذ عصور نقصان المعرفة والى غد.. وموازين التفضيل عندنا ليست اقل عدلا من موازين الاحتقار. علينا ان نتعلم المنهج النقدي الذي سنته هذه الاحذية.. حتى نتفهم تحليلها للاحداث. أليس كذلك؟لقد احتقرنا الحمار مدعين انه خلو من احاسيس الكرامة وعشق الاشياء الجميلة في حين ان الشاعر بشار سمع في المنام حماره الذي نفق توا سمعه يشرح سبب نفوقه قائلا: سيدي مل بعنان نحو باب الاصفهاء إن بالباب اتانا فضلت كل اتان يتمتني يوم رحنا ثناياها الحسان.. الخ بهذا الاحتقار المتواتر بدأ الحمار رحلة الانقراض فها هو الآن يختفي شيئا فشيئا بدون حزن. لكن الذي ليس في نيته الانقراض على الرغم من احتقاره هو (الحذاء) فهو يزداد كثرة وتنوعا وقد اصر على البقاء والتكاثر حتى ارغم بعض الناس على احترامه ويسمونهم ماسحي الاحذية.. وقد يكونون من كبار القوم.. وكانت نتيجة هذا الاصرار على استدراج الناس على احترامه هي انه اخذ يتكلم.. نعم يتكلم وبفصاحة. منتظر الزيدي هو اول من ادرك قدرة الحذاء على الكلام فزج حذاءه مثل صقر ليخاطب بوش بلغته.. ثم توالت الاحذية بعد ذلك تتكلم بمختلف اللغات.. غير ان افصحها هي تلك الاحذية التي انقضت على صورة زعيم افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وهو يهدد مواطنيه. كانت تلك الاحذية تعرف كل المذاهب النقدية.. بل هي الوحيدة القادرة على نقد وتحليل لغة الطغاة.. كانت تحلل امام اعيننا بصورة عميقة هول الهستريا التي تنطلق منها كلمات ملك ملوك افريقيا. علينا ان نتعلم المنهج النقدي الذي سنته هذه الاحذية.. حتى نتفهم تحليلها للاحداث. أليس كذلك؟