د.حمد الماجد - نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط ليس الراغبون في استمرار صمود القذافي فقط أولاده السبعة الذين يطمعون في استمرار جثومهم على قلوب الليبيين قرونا أخرى، ولا قبيلته التي استفاد بعض أفرادها من هيمنة ابن القبيلة السياسية والمالية، ولا زبانية حكمه الذين يتفيأون تحت ظلال أعطياته ليصبحوا عينه التي يبصر بها وأذنه التي يسمع بها ويده التي يبطش بها، ولا المرتزقة الأفارقة الذين اعتبروا القذافي سفينتهم في موج الجماهير الليبية الهادر، نجاته تنجيهم وغرقه يغرقهم، وإنما هناك بعض رؤساء الحكومات العربية «الصامدة» ضد التغيير والإصلاحات، يمتقع لون وجوههم كلما زحفت الجماهير الليبية الثائرة لتقترب من طرابلس أو سقطت مدينة في أيديهم، وترتعد فرائصهم كلما انضمت كتيبة من الجيش إلى الثائرين، يبتهلون إلى الله في الصلوات والخلوات أن يبقى القذافي ذخرا، ليس حبا فيه بل رغبة في أن يكون القذافي عصا في دولاب التغيير الذي اجتاح المنطقة، يريدون تخويف شعوبهم ب«ليببة» بلادهم كما خوفوهم بصوملتها وأفغنتها. بل لا أبالغ لو قلت إن بعض هذه الحكومات العربية كما لم يعجبها الأسلوب الحضاري السلمي الباهر للثورة الجماهيرية المصرية والتونسية الذي أثمر عن تغيير كبير وإصلاحات جذرية بأدنى الخسائر في الأرواح والممتلكات مقارنة بثورات دموية أخرى، سيعجبها وإن لم تنطق به ألسنتها، إذا قارب عدد ضحايا الشعب الليبي إلى عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف، ليس رغبة في مزيد من المجازر وسفك الدماء ضد شعب أعزل، ولكن لإثبات صدق نظريتهم بأن «الأمن والرئيس» بفساده وقمعه ومصائبه وجهان لعملة واحدة، أسطوانة مشروخة أطلقها بن علي وكررها مبارك وصدح بها القذافي. والحق يقال إن هناك فرقا بين الحكومات التي انتفضت ضدها الثورات العربية الأخيرة، خاصة المصرية والليبية، ولذلك عندما عنونت لمقال سابق ب«يا مبارك الله يذكر عهدك بالخير» كنت أقصد منه الخشية من أن نتمتم بهذه العبارة لو - لا سمح الله - انزلقت مصر إلى هاوية الفوضى والانفلات الأمني والضياع الاقتصادي، لكني لم أتصور أننا سنتمتم بها هذه الأيام وبهذه السرعة ونحن نشهد دموية ووحشية وغطرسة العقيد القذافي، الكل صار يقارن بين اللغة المهذبة، بل والتصرف المهذب للرئيس المخلوع حسني مبارك وهو يخاطب جماهير ميدان التحرير ويعبر لهم عن وعيه وتقديره لمطالبهم، في الوقت الذي أضفى القذافي أوصاف القطط والجرذان والفئران على شعبه في الداخل، والكلاب الضالة لمن هرب منهم إلى الخارج فرارا من بطشه ودمويته.. بين مبارك الذي منعه عقله وانتماؤه لشعبه من أن يستخدم سياسة الأرض المحروقة، وكان بمقدوره أن يفعل لو أراد، وبين القذافي الذي يتوعد شعبه بالدمار الكامل لو فرطوا فيه وفي مجده التليد.. بين مبارك الذي وقف جيشه على الحياد يحمي المتظاهرين ويؤيد مطالبهم المشروعة، وبين جيش القذافي الذي صار يقذف الجماهير العزل براجمات الصواريخ. وأخيرا، نصيحتنا لبعض الدول العربية القمعية التي تترقب بخوف وهلع قيام قيامتها، أن يقولوا أي شيء ضد شعوبها المنتفضة الثائرة غير تكرار اسطوانة «الإخوان»، فهذه كانت تعتبر قبل الثورتين المصرية والتونسية «فزاعة» قابلة للتصديق، لكن بعد هاتين الثورتين صارت سامجة بليدة، حتى القذافي حاول أن يقول شيئا مختلفا فنسب ما يجري إلى «القاعدة»، وهذه أيضا بليدة كبلادة قائلها وهو يطلب من شعبه في خطابه الأخير في الساحة الخضراء أن يخرج ليرقص ويغني ويهز الوسط.. كم يغبط الليبيون بسبب قذافيهم أهل مصر على مباركهم!