عبدالرحيم الميرابي - الوطن السعودية حينما يُريدُ أحدٌ السخريةَ من أحدٍ، يقول له: (روح بيع خضار) وكأن بيع الخضراوات مسبة، وكل شاب يذهب إلى سوق الخضراوات طلباً للرزق يُعد منتقصاً في مجتمعه؛ والشرفاء فقط هم الذين يذهبون من أجل الشراء؛ وربما هذا الذي فهمه السيد الرئيس، أو لم يفهمه لا فرق. تقول الأحداث: إن بائع الخضراوات (العاطل الشريف) محمد البوعزيزي كان يجر عربته دون أن يعلم أنها ستجره إلى التاريخ، وستخصص لنفسها مكاناً بارزاً في أكبر متاحف الدنيا لحفظ تراث الحياة الكريمة، وستقضي حياتها حِداداً عليه؛ لأنه فارق الحياة بسببها دون أن تُكسِبَه لقمة عيش يحيا بها. البوعزيزي لم يكن يخطط لدخول التاريخ، بل التاريخ هو الذي كان يخطط لدخوله.. كل الذي كان يطمح إليه البوعزيزي هو أن يحظى بزبون كادح يَعبُر الطريق ليعرض عليه بضاعته ويغريه بالشراء، لكن يبدو أنه أخطأ حين جَرّ عربته في طريقِ أحد الوجهاء دون قصدٍ منه، الأمر الذي أدى إلى مصادرة عربته بما تحمله من طماطم وجرجير وخيار، ليختار مغادرة الحياة بعد هذه الجريرة التي ارتكبها من أجل البقاء.. غير أن المفاجأة جاءت على يد ذلك الكادح الذي كان يبحث عنه البوعزيزي ليبيعه شيئاً من بضاعته حين قرر أن يَجُرّ هو العربة نيابة عنه بعد أن ملأها بالحرية، ليضمن لكل الكادحين والمبعدين العيشَ الكريم في وطنهم. قال (الشاعر السياسي) الشاب أبو القاسم الشابي كلمته ورحل، وقال (الروائي الشعبي) الشاب العزيز البوعزيزي كلمته ورحل، وقال الشعبُ كلمته ليحيا حراً كريما. قلتُ: الحياة حلوة لأنها مبنية على أسس مُرّة.