عبد الوهاب الفايز - الاقتصادية السعودية بعد تخلي الرئيس مبارك عن الرئاسة، التحدي القادم للقيادة المصرية وللشعب المصري هو أن يحذروا التدخلات الأجنبية في شؤونهم, فهناك من يبرعون في اقتناص الفرص، فمصر بلد عظيم, وهي مستودع للمفكرين والمبدعين والوطنيين الذين يعرفون أين مصلحة بلادهم.. إننا سنظل كما كنا في الأيام العصيبة الماضية, سنظل قلقين من التدخل في الشأن المصري، كما حدث في العراق. وأبرز التدخل في الشأن الداخلي قد يأتي تحت ذريعة التخويف من الإسلام والإسلاميين، وقد سمعنا الأصوات الخارجية التي تحذر من الإسلاميين منذ بداية الأزمة، وكأن الإسلام والتدين هو الذريعة القادمة للتدخل في الشأن المصري، والمجلس العسكري الذي يحكم الآن عليه أن يعمل على حماية عملية التحول السلمي وحماية مصر من التدخلات الخارجية. الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية قال أمس الأول ما يود كثيرون قوله تجاه التدخلات في الشأن العربي وبالذات الشأن المصري.. قال: "نعبر عن استهجاننا الشديد واستنكارنا البالغ للتدخلات من بعض الدول الأجنبية، وممارسة المزايدات حتى على الشعب المصري، في تدخل سافر في شؤونه الداخلية وعلى نحو يتنافى وأبسط القواعد الدبلوماسية والسياسية وميثاق الأممالمتحدة الذي ينص صراحة في مادته الأولى على احترام سيادة واستقلال الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية". التدخلات الأجنبية في المنطقة، بالذات التدخل الأمريكي والبريطاني، هي التي تفاقم المشاكل وتوجد التوتر وفي النهاية الحروب المدمرة. التدخلات بدأ استيطانها في المنطقة منذ (زراعة) إسرائيل، فمنذ أن أدركت بريطانيا ومعها أمريكا أن الاحتلال المباشر للمنطقة غير ممكن وتكلفته عالية جدا، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، جاءت فكرة زراعة كيان يكون هو القاعدة والمنطلق والعذر للهيمنة على المنطقة والتدخل في شؤونها، والزعيم السياسي البريطاني الداهية ونستون تشرشل هو الذي تبنى مشروع الوطن القومي لليهود في فلسطين عبر إحياء وعد بلفور عندما وجد أن المشروع اليهودي يخدم المصالح الكبرى لبريطانيا العظمى. والأوضاع في المنطقة الآن تعيدنا إلى ما كنا نقرأه في التاريخ عن الأحداث الكبرى التي صاحبت تشكل الشرق الأوسط في مطلع القرن ال 20، منذ التآمر على تدمير الدولة العثمانية، ثم التآمر على الثورة العربية الكبرى، ثم التآمر لتفتيت المنطقة إلى كياناتها السياسية الحالية.. والتاريخ الآن يكرر مشاهده، فالمنطقة مقبلة على واقع سياسي جديد. التدخل الغربي في الشأن المصري يثير الريبة في النوايا, ويعطي الحق في طرح الأسئلة عن الأهداف والمقاصد.. هل التدخل يتم الآن للمصلحة الكبرى، أي مصلحة إسرائيل؟ فالتدمير للعراق واحتلاله تم لهذه الغاية. والآن الأمريكان يعترفون بأنهم تم خداعهم، فالحرب على العراق جرت بذريعة وجود أسلحة دمار شامل, وآخر الذين اعترفوا بالخديعة والخطأ هو رامسفيلد وزير الدفاع السابق وأحد صقور المحافظين الجدد. هل المطلوب الآن، أو الهدف من التدخل السافر في الشأن المصري وقيادة التحريض والإيحاء هو الزعم أن الغرب هو الذي قاد الثورة الشبابية في مصر وأدى إلى تنحي الرئيس؟ إننا نخشى أن يكون الهدف تدمير مصر كما تم تدمير العراق. طبعا لا أحد يشك في أن الهدف الأسمى لإسرائيل وللمشروع الصهيوني، هو إضعاف مصر, والمشروع بدأ عبر تجزئة السودان، والآن يتم عبر دعم الفوضى الخلاقة، أي الإطاحة بالنظام كاملا كما حدث في العراق. الدول الغربية كانت أكبر داعم لصدام حسين, وهي التي سلحته وسهلت وصول وصناعة الأسلحة الكيماوية, وهي التي قادته إلى حرب مع إيران, وهيأت له الظروف لاحتلال الكويت, وقد كانت تعرف حجم دمويته وديكتاتوريته, والذي قاد الحرب عليه, رامسفيلد، كان من أبرز الذين استفادت شركاتهم من العراق أيام صدام حسين! إن أبرز المتضررين من التدخلات الغربية في شؤون الدول, سواء في العالم الثالث أو في غيره, هي الشعوب الغربية, فهي التي تعمل وتتعب وتدفع الضرائب ويفوز بالكعكة الكبرى (كارتيلات) السلاح والنفط والبنوك, وهذا ما كشفته الأزمة المالية العالمية التي جعلت الشعوب الغربية تكتشف أنها المخدوعة الكبرى من شركاتها وحكوماتها ومصارفها. وكما خدعت شعوبها, أيضا خدعت شعوب دول دعمت حكوماتها وتسترت عليها وهيأت لها الظروف للفساد, والإثراء غير المشروع، وأوجدت المصارف التي تحمي ثرواتها, وأنشأت شركات الاستثمار العالمية لتساعدها على إدارة ثرواتها المسروقة, ودربت مسؤوليها على الاحتيال القانوني لتهريب الأموال وغسلها, وأوجدت المواد القانونية التي تحمي المرتشين والسماسرة في العقود الكبرى, هذه هي الدول الكبرى التي تسعى لصلاح الشعوب, وتنادي لأجل حريتها وتعزيز الديمقراطية لديها. في بريطانيا الآن يحققون في دوافع المشاركة البريطانية في الحرب على العراق, والكونجرس الأمريكي أمضى بحدود سنتين يحقق في عمليات الفساد الكبير التي حدثت في حرب العراق, والأحزاب الغربية في سبيل تنافسها وصراعها السياسي للوصول إلى السلطة لن تتورع في كشف وتعرية جوانب من حياتها السياسية وتسريبات (ويكيليكس) كشفت قليلا من كثير! الأمير سعود الفيصل كان محقا في التحذير من التدخل في الشأن المصري, والمملكة سبق أن حذرت من احتلال العراق, والأمير سعود الفيصل كان الصوت العربي الأبرز الذي انتقد وحذر ثم نصح من احتلال العراق, وهذا الموقف الصريح لم يكن حينئذ خوفا أو حبا في صدام حسين، بل كان حبا للشعب العراقي وخوفا من تدمير مكتسباته ومستقبله, فهو يعرف (وكلنا نعرف) أن أمريكا لن تجلب السلام والديمقراطية للعراق على ظهر دبابة, وها هو الشعب العراقي يتظاهر الآن في الشوارع مطالبا بالدواء والخبز والأمن .. ذهب الديكتاتور صدام وحزب البعث وجاء الديكتاتور المالكي وحزبه الصفوي ... فماذا كسب العراق؟ وماذا كسب الشعب الأمريكي والأوروبي؟ ماذا كسبنا جميعا من العبث في المنطقة؟ كلنا نخسر والفائز الأكبر هو إسرائيل المشروع الصهيوني في المنطقة!