مما لاشك فيه ان كلا من الشعوب العربية والإيرانية تجمعها أواصر الإخوة والمحبة والدين منذ قديم الزمان، وظل التداخل والتمازج بين شعوب الخليج والشعب الايراني هو الأكثر انفتاحاً وتبادلا للمنافع، وكذلك شعب العراق. ومما لاشك فيه أن تلك العلاقة الحميمة سوف تظل بين تلك الشعوب باقية، مهما افترى المغرضون، ومهما حاول المتآمرون دق إسفين الفرقة والخلاف بينهما من خلال الدسائس والمؤامرات وزرع الكراهية والأحقاد، مستغلين التنوع المذهبي والطائفي والعرقي لتلك الشعوب الذي عاشت تلك الشعوب في ظله عقودا مديدة على الرغم من هذا التنوع في انسجام وتناغم منقطع النظير. فإنه من أوجب الواجبات على دول منطقة الشرق الأوسط التي تشمل الدول العربية وإيران تفويت الفرصة على من يصطاد في الماء العكر مثل إسرائيل وغيرها من المستفيدين من إشعال حرب الخليج الرابعة. إن طموحات وتطلعات وأهداف جميع الشعوب تكاد تكون متشابهة وتتمثل في الرغبة في العيش بسلام ووئام وبناء وإعمار وتنمية تعود بالخير على الجميع، ولذلك فإن آخر ما تفكر فيه الشعوب المسالمة هو الحرب والقتال والاقتتال وعدم الاستقرار. إلا أن رعونة بعض الساسة تفرض عليها ما لا ترغب فيه. وقد ظلت المناطق الفقيرة بالموارد الاقتصادية والبعيدة عن المواقع الجغرافية الاستراتيجية بمنأى عن التدخلات الأجنبية والمطامع الاقتصادية أو العسكرية. أما المناطق التي تحظى بالثروات الطبيعية مثل ما يشكله البترول والغاز في منطقة الخليج، وكذلك المناطق المشرفة على المضايق والممرات المائية الاستراتيجية، مثل مضيق باب المندب، وقناة السويس، ومضيق هرمز، ومضيق جبل طارق، وقناة بنما، ومضيق البسفور والدردنيل، فإن كثيرا منها يعاني ،التدخلات التنافسية بين قوى ظاهرة كالدول وقوى خفية تعمل من خلف الكواليس. كما أن مناطق الوفرة المائية تحظى بصراعات كبيرة منذ قديم الزمان، ولعل أشهرها في الوقت الحاضر استحواذ إسرائيل على مياه نهر الليطاني، ونهر الأردن، ومحاولة زعزعة امدادات مصر من مياه النيل، وتقليل حصة العراق وسوريا من مياه نهر الفرات. لذلك تعد الحروب القادمة حروبا على مصادر المياه. إن مضايق هرمز، وباب المندب، وقناة السويس، والخليج، والبحر الأحمر، كلها تقع ضمن المنطقة العربية لذلك تسعى إسرائيل والقوى التي تقف خلفها إلى زعزعة استقرار تلك المناطق والدول المطلة عليها بما في ذلك إيران. إن البترول في دول الخليج يدر دخلاً ممتازاً يصنع واقعاً حضارياً وتنموياً ملموساً لشعوب تلك المنطقة يتمثل بعض منها في التنمية البشرية والتعليمية والصحية والاجتماعية وهذا ما لا ترغب به إسرائيل والقوى المساندة لها. إن إسرائيل تسعى إلى تحقيق عدد من الأهداف والخطط والبرامج التي تخدم أمنها وتوسعها، وهذا بالطبع لا يتم إلا على حساب غيرها، فهي دولة قامت على الاغتصاب والاجتثاث لشعب بكامله، وهي تسعى إلى تحقيق ذلك بحق الشعوب العربية الأخرى، من خلال تفتيت دول منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك إيران إلى دويلات وكانتونات تشكل مصدر عمالة رخيصة لها، وسوقا استهلاكية لمنتجاتها فضلا عن استحواذها على مناطق الوفرة المائية والاقتصادية والتحكم بالمضايق القريبة منها. أليس شعار إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات الذي بكل تأكيد يتم تعديله وتكبيرة طبقاً لأساليب المد والجزر، حتى تحين الفرصة المواتية؟. ألم ينشروا خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط؟. من هذه المنطلقات جاء احتلال فلسطين عام (1948م) وحرب السويس (1956م) وحرب الأيام الستة (1967م) وحرب رمضان (1973م) وحرب جنوب لبنان (1982م) والحرب العراقية/ الايرانية (1980 - 1989) وحرب الخليج الثانية (احتلال الكويت وتحريرها) (1990 - 1991م) وحصار العراق حتى حرب الخليج الثالثة واحتلال العراق (2003م) وحرب جنوب لبنان (2006م) وحرب غزة (2008م) والآن تعد العدة لحرب الخليج الرابعة التي يعد لها بحيث تصبح القاضية، والتي يمهد لها من خلال الإرهاب ومفرداته. والمتتبع لتلك الحروب وأهدافها يجدها تصب في عدة قنوات يتمثل بعض منها بصورة عامة بالآتي: * احتلال فلسطين لتصبح دولة إسرائيل رأس حربة متقدمة وسرطانا في ظهر أمة العروبة والإسلام يستشري وينتشر وليس له علاج إلا وحدة الأمة وعدم استكانتها. * ضرب القدرات المادية والبشرية لكل من الشعوب العربية والإيرانية واشغال تلك الشعوب بنفسها لأطول مدة ممكنة مستغلين عنجهية وغرور بعض القادة مثل صدام وعناد ومكابرة البعض الآخر مثل الخميني. * امتصاص عوائد النفط، حظيت وتحظى بها الدول المصدرة للبترول مثل إيران ودول الخليج، وكذلك انتقاما من تأميم شركات البترول في العراق وذلك من خلال زج العراق وإيران بحرب ضروس أكلت الرطب واليابس على مدار ثماني سنوات. * خلق حالة من الكراهية والعداء بين إيران والدول العربية تمهيداً لتسلحها وإشعال حرب بينهما المستفيد الأول منها إسرائيل، كما هي المستفيدة من أي حرب قامت أو تقوم في الشرق الأوسط، حيث ان مثل تلك الحرب سوف تقضي وقدمر كلا من البنية التحتية والفوقية لكل من إيران والدول العربية بينما إسرائيل وخلفاؤها يكتفون بمتعة المشاهدة والاستثمار فيها. * دعم التطرف والإرهاب وخلق مناطق تمركز وتدريب واحتضان وتصدير له إلى الدول المجاورة والدليل على ذلك ان الإرهاب استهدف ويستهدف الدول العربية وأمنها واستقرارها ولم يطل إسرائيل منه شيء، أما استهدافه للآخرين فكان محدوداً. * تم تدمير العراق لأنه يشكل العمق الاستراتيجي للجبهة الشرقية مع إسرائيل بالاضافة إلى تحويله إلى دولة طوائف وأعراق ومذاهب فضلا عن تحويله إلى مركز لاحتضان الإرهاب وتدريبه وتصديره ومنع استقراره بعد القضاء على البنية الفوقية والتحتية ونشر الفساد وخلق عدم الاستقرار السياسي والفراغ الأمني فيه مما يشكل تهديداً وأنموذجاً لما يمكن أن يحدث بالدول المجاورة له إن لم تأخذ العبرة. * منذ أن انتهت الحرب العراقية - الايرانية وإيران تبني قدرات عسكرية تحت سمع وبصر الدول الغربية وقد حصلت إيران على كثير من التسهيلات لتحقيق ذلك بطرائق مباشرة وغير مباشرة، بما في ذلك التقنيات النووية من عملاء وشركات غربية وغيرها حتى إذا وصلت إيران إلى مستوى من القوة الكافية لتخويف دول وشعوب المنطقة، نهضوا محذرين من الخطر الإيراني القادم، وبدأوا بالتهويش والتهديد لخلق سباق تسلح غير مسبوق في المنطقة المستفيد الأول منه سماسرة وصناع السلاح، وذلك تمهيداً لحرب الخليج الرابعة التي يهدف منها تدمير كل من إيران ودول الخليج. * إن التهديد الإيراني بضرب المصالح الغربية في الخليج والمتمثلة في المنشآت البترولية والمدن الصناعية، وكذلك التهديد بإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة البحرية يعد الهدف الأساسي الأول الذي تسعى إلى تحقيقه إسرائيل والقوى الضالعة معها في التآمر من أجل تحقيق بعض المنافع مع اختلاف أو توافق في الغايات التي يتمثل بعض منها فيما يلي: - اللوبيات الصهيونية والقوى المتحالفة معها والمتغلغلة في كثير من مراكز اتخاذ القرار في أمريكا والدول الغربية وكذلك أجهزتها المخابراتية إضافة إلى التحكم في كثير من مفاصل الاقتصاد هناك فضلا عن الاستحواذ على وسائل الإعلام المختلفة. - شركات انتاج السلاح وسماسرته الذين يشبهون حفار القبور حيث تزداد سلعتهم رواجاً في أوقات التوترات والحروب. - شركات تقنيات البترول الاحتكارية التي تستفيد من الدمار الذي تخلفه الحروب والكوارث من خلال الحصول على عقود إعادة البناء والتشييد فضلا عن عقود التشغيل والصيانة والاستثمار. - شركات انتاج الطاقة البديلة والمتجددة التي يعيق توفر النفط والغاز ورخص ثمنهما تسويق منتجاتها بشكل واسع لارتفاع تكاليف انتاجها وتكاليف الأبحاث المتعلقة بها. - التنافس بين الدول المختلفة للاستحواذ على مناطق الوفرة وبالتالي التحكم بمصير العالم ومصادر الطاقة فيه. * من هذه المنطلقات فإنه من أوجب الواجبات على دول منطقة الشرق الأوسط التي تشمل الدول العربية وإيران تفويت الفرصة على من يصطاد في الماء العكر مثل إسرائيل وغيرها من المستفيدين من إشعال حرب الخليج الرابعة، وبالطبع فإن ذلك يحتم على الدول المتضررة من حدوث تلك الحرب وهي إيران ودول الخليج العربية الأخرى إعادة النظر بالوضع القائم وإعادة تحليل ودراسة واستنتاج العبر حول ما يتم افتعاله في المنطقة من حروب وخلافات وإرهاصات وتطرف وتحديد المستفيد الأول من ذلك. فأهمية البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، تقف من دون شك وراء استمرار الحرب الأهلية في الصومال والأحداث الدموية في اليمن. والعمل على انفصال جنوب السودان له علاقة مباشرة بمحاولة تعطيش كل من مصر والسودان من خلال التحكم بمياه النيل من أجل تقويض مقولة مصر هبة النيل. أما تصدير الإرهاب من العراق واليمن وجعلهما حاضنين له فله علاقة بالعمل ضد الاستقرار في المملكة ودول الخليج. أما عدم استقرار لبنان واستمرار بقاء الوضع فيه على كف عفريت. فهو يخدم المصلحة المباشرة لإسرائيل. أما انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان والعراق قبل استقرارها فهو لحمايته من آثار الحرب إن وقعت، أما الملف النووي الإيراني فهو الفتيل، لذلك كله فإن على دول المنطقة حل المشاكل العالقة وتقديم تضحيات متبادلة خيراً لها من حرب ضروس لا تبقي ولا تذر، يشد من أزرها كل جشع ومجرم وحسود ومتآمر، يقوده حقد دفين ومطامع مستقبليه تم الافصاح عنها من خلال خريطة الشرق الأوسط الجديد، الذي تسير خطط تنفيذها طبقاً لسيناريو مرن قابل للمد والجزر لكن الهدف محدد وواضح أمامهم. والله المستعان..