عبد الحميد الأنصاري الإتحاد الاماراتية يثور جدل واسع حول "النقاب"، في الساحة الإعلامية عامة وفي الأوساط الدينية خاصة... فالمدافعون عنه والمتمسكون به يرونه واجباً دينياً على المرأة المسلمة أن تلتزم به وتأثم بمخالفته، ويقيمون الدنيا ضد المعارضين للنقاب ويتهمونهم بشتى التهم المنكرة. يقول الشيخ الغزالي: "قرأت كتيباً في إحدى دول الخليج يقول فيه مؤلفه: (إن الإسلام حرَّم الزنا! وإن كشف الوجه ذريعة إليه، فهو حرام لما ينشأ عنه من عصيان!). قلت: إن الإسلام أوجب كشف الوجه في الحج، وألفه في الصلوات كلها، أفكان بهذا الكشف في ركنين من أركانه يثير الغرائز ويمهد للجريمة؟ ما أضل هذا الاستدلال! وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم، الوجوه سافرة في المواسم والمساجد والأسواق، فما رُوي عنه قط أنه أمر بتغطيتها، فهل أنتم أغير على الدين والشرف من الله ورسوله؟". أما المعارضون لفرضية النقاب فيرونه عادة من العادات الاجتماعية وليس سنة أو فريضة أو حتى أفضلية أو فضيلة. ومنهم من يرى تحريم النقاب مثل صاحب كتاب "تذكير الأصحاب بتحريم النقاب"، الدكتور اسماعيل منصور، الأستاذ بجامعة القاهرة والداعية المعروف، لأن النقاب لغير زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، لا أصل له في الكتاب ولا في السنة، وهو نوع من الغلو والتكلّف والتشدّد المحرّم. ولم يكن النقاب يثير أية إشكاليات أو أزمات في ظل المجتمع السكوني القديم حيث كانت المرأة لا تشارك في الحياة العامة، لكن النقاب تحول إلى عامل تأزم سياسي واجتماعي وفكري في عالم اليوم، سواء في المجتمعات العربية والإسلامية أو على مستوى المجتمعات الغربية وغيرها، بسبب خروج المرأة ومساهمتها الواسعة في كافة مجالات التنمية وزيادة تعاملها مع الجمهور مما يستلزم معرفة شخصيتها لدى المتعاملين معها، إضافة إلى أن كشف الوجه يعين على تحقيق الرقابة المجتمعية والأمنية إلى غير ذلك من الاعتبارات التي تستوجب كشف الوجه. وهناك عامل آخر زاد الوضع تأزماً هو: "تسييس النقاب" من قبل الجماعات الدينية المسيّسة، فقد اتخذت هذه الجماعات من موضوع النقاب مادة خصبة لتعبئة الرأي العام وتحريضه ضد نظم الحكم في البلدان الإسلامية وضد اندماج المسلمين في الغرب مما وفّر فرصاً واسعة أمام حركات اليمين الغربية المتطرفة لكسب الجمهور هناك إلى صفها، ومن ثم وصولها إلى البرلمانات والمشاركة في الحكم بعدما كان تياراً هامشياً في الحياة السياسية. وهو الأمر الذي دفع دولة شديدة العلمانية كفرنسا إلى إصدار تشريع يحظر النقاب حظراً عاماً حتى في الساحات والشوارع والأسواق والمحلات. لقد أصبح المزاج الأوروبي العام اليوم لا يستسيغ النقاب ولا يتقبل رؤية منقبة في الشوارع والأسواق، إذ يعتبره شكلاً من أشكال التمييز الديني ونوعاً من الإصرار على هوية ثقافية رافضة للاندماج ومظهراً استعلائياً وانتهاكاً لكرامة المرأة الشخصية. لقد كان معارضو قانون حظر النقاب الفرنسي يراهنون على المجلس الدستوري الفرنسي للطعن في المشروع ونقضه، لكن المجلس أقر -مؤخراً- قانون الحظر واعتبره موافقاً للدستور وسيصبح القانون سارياً في ربيع 2011. وتعد فرنسا التي فيها نحو 1900 امرأة منقبة، ثاني بلد أوروبي يفرض هذا الحظر بعد بلجيكا. وتفكر إسبانيا وهولندا وسويسرا في إصدار تشريعات مماثلة. ويبدو أن قطار حظر النقاب سيجوب أوروبا كلها بسبب تصاعد القلق الأوروبي من انتشار النقاب بين بنات الجيل الثالث من المهاجرين العرب والهنود والباكستانيين، إذ يرون فيه "غزواً إسلامياً" للهوية الأوروبية. أما في المجتمعات العربية فلا ننسى كيف هوجم شيخ الأزهر السابق الدكتور طنطاوي عندما أصدر قراراً بمنع النقاب في مدارس الفتيات الأزهرية ومساكن الطالبات التابعة للأزهر، وتظاهرت المئات من المنقبات المصريات ضد القرار ودخل نواب "الإخوان" على الخط وطالبوا بعزل شيخ الأزهر كما طالبوا من قبل بعزل وزير الأوقاف المصري الدكتور زقزوق الذي صرّح بأنه لن يسمح لأي مرشدة دينية تعمل في الوزارة بارتداء النقاب، ومن تتمسك به تحال إلى عمل آخر، كما قام بطبع كتيب "النقاب عادة وليس عبادة" على نفقة الوزارة وتم توزيعه على الخطباء للاسترشاد به. وفي سوريا أصدر وزير التعليم العالي تعليماته بمنع المنقبات من التسجيل في الجامعات والمعاهد، الحكومية والخاصة. وقد عللت الوزارة هذه التعليمات ب"مطالبات الأهالي بوضع حد لظاهرة ارتياد المنقبات للجامعات"، وأعلن الوزير "رفضه هذه الظاهرة التي تتعارض مع القيم والتقاليد الأكاديمية، ومع أخلاقيات الحرم الجامعي"، وقام بنقل نحو 1200 مدرسة منقبة من سلك التعليم إلى الإدارة المحلية "نظراً لصعوبة عمل السيدة المنقبة في التدريس والتعامل المباشر واليومي مع التلاميذ". النقاب عادة اجتماعية لدى بعض الشعوب، وكان النقاب موجوداً قبل الإسلام لدى العرب، وقد ذكر الكاتب محمد الحمادي في مقالة قيمة نشرت في "الاتحاد"، أن النقاب زي آشوري وليس إسلامياً وأن تاريخ النقاب يكشف أن الآشوريين هم أول من نقب نساءهم. ونضيف إلى ذلك أن الإسلام عندما جاء وجد بعض النساء يمارسن عادة النقاب، فلم يأمر به ولم ينه عنه، لكنه أمر المرأة المسلمة بعدم وضع النقاب في حالة الإحرام وفي الصلاة فدلّ ذلك على عدم وجوبه. ونحن إذ نحترم دوافع دعاة النقاب ونقدر مخاوفهم وأوهامهم كما نحترم خيار المرأة الشخصي في النقاب، فإننا نؤكد أن النقاب عادة اجتماعية لا يوجد دليل شرعي صحيح وصريح بوجوبه، وما كان ليتحول إلى مصدر تأزيم وإشكالية في مجتمعاتنا وفي الغرب لولا التسييس الممارس من قبل جماعات ساعية للنفوذ والسلطة، هذا المرض العضال الذي طال كل مظاهر الحياة المعاصرة فأفسدها.