بدأ العام الدراسي قبل أيام، ولم يكتف رعب أنفلونزا الخنازير بجعله عاماً فوق العادة، لكن الأحداث المصاحبة لبدايته تؤكد أنه سيكون عاماً ساخناً جداً. سخونة البداية شارك في إشعالها رأسان من رؤوس الدولة: أحدهما وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور هاني هلال، والثانية شيخ الأزهر الدكتور سيد طنطاوي. هذه السخونة زادت من حدة حرارة الجو في داخل عربة السيدات في مترو الأنفاق الوسيلة الأكثر شعبية وانتشاراً بين طالبات الجامعات الواقعة في القاهرة والجيزة. مجموعة من الطالبات المنقبات التفت حول العمود المعدني في العربة المكتظة بحمولتها النسائية وهن يتناقشن نقاشاً حامياً حول ما سمينه ب»تربص الوزير بهن». لم يكن هناك خلاف بينهن، فالجميع يتحدث بنبرة واحدة وبقلب واحد: «هو إيه إللي مزعله؟ واحدة ومنقبة! هو ماله؟!» وهذا تحديداً هو مربط الفرس. فتصريح الوزير هلال قبل أيام بمنع الطالبات المنقبات من دخول المدينة الجامعية في جامعة القاهرة أشعل نيران الغضب بين الطالبات المنقبات وعدد من المتضامنين معهن، سواء لأسباب دينية أم حقوقية. أكدت إحداهن ل»لحياة» أنها على استعداد للمشاركة في أية فعالية للتضامن ونصرة «أخواتها» من طالبات المدينة الجامعية التابعة لجامعة القاهرة، على رغم أنها لا تدرس فيها أصلاً. وأضافت: «واجبي يحتم علي أن أناصرهن في معركتهن». حماسة الطالبات المنقبات فاقت بكثير حماسة زميلاتهن ممن يرتدين الحجاب العادي، وهن غالبية عظمى، وعلى رغم ذلك فإن آراء الكثيرات من المحجبات مالت كثيراً إلى صف المنقبات المتضررات من قرار الوزير. بعضهن أكد أن حرمانهن من الإقامة في المدينة الجامعية سيعطل دراستهن، بل وقد يجبر بعضهن على عدم الذهاب إلى الجامعة أصلاً، والبعض الآخر رأى أنه كان في الإمكان حل المسألة بطريقة أخرى، مثل قيام موظفة أمن في المدينة بكشف وجوههن قبل الدخول. إلا أن هذه «الطرق البديلة» لن يعتد بها، وذلك حسبما أكدت مديرة المدينة الجامعية للطالبات السيدة بهيجة أبو العينين التي أكدت غير مرة أن قرار الحرمان من السكن سيسري على جميع المنقبات، حتى وإن وافقن على خلعه داخل السكن. ويشار إلى أن عدد الطالبات المغتربات اللاتي سيحرمن من السكن هذا العام بسبب قرار الوزير يتجاوز مئة طالبة. ردود الفعل الغاضبة لم تتوقف عند حدود التظاهرات التي قامت بها طالبات في جامعة القاهرة، لكنه سرعان ما انتقل إلى الشبكة العنكبوتية حيث غمرت المواقع المختلفة وساحات الدردشة بالكثير من المناقشات التي طغت عليها النبرات الغاضبة. وكما هو متوقع في مثل هذه الأمور، سارع كثيرون بالتوجه إلى السماء والدعاء على «من يسيئون إلى الدين». بل اتخذت المسالة منحى عربياً قومياً، وظهرت مواقع عربية تدعو إلى نصرة «الأخوات في مصر». ويبدو أن هذا العام سيكون بالفعل «عام الأخوات في مصر»، إذ تزامن قرار وزير التعليم العالي وزيارة شيخ الأزهر الدكتور سيد طنطاوي لإحدى المدارس الأزهرية، حيث قال لفتاة ترتدي النقاب في الصف الثاني الإعدادي، إن «النقاب عادة وليس عبادة»، وطالبها بخلعه مؤكداً لها أنه «يفهم في الدين أكثر منها ومن اللي خلفوها»، وأكد أنه سيصدر قراراً في الأيام المقبلة يقضي بمنع دخول المنقبات المعاهد والكليات الأزهرية. ومن وجهة نظر حقوقية، دانت منظمة حقوقية هي «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» تصريحات هلال في هذا الصدد، مؤكدة أن تصريحاته تلك «تنتهك مبادئ الخصوصية والحرية الشخصية وحرية المعتقد الديني، التي يكفلها الدستور المصري»، مضيفة أن تصريحات الوزير وتوجيهاته الإدارية من شأنها أن تلحق الضرر بالطالبات المغتربات وتميز ضد المنقبات منهن. وقال مدير المبادرة حسام بهجت «إن مسؤولي التعليم العالي وجامعة القاهرة قد يظنون أنهم يحاربون التشدد عبر هذا القرار التعسفي وغير القانوني، ولكنهم في الواقع يعاقبون الطالبات وأسرهن من خلال الحرمان من السكن والغذاء المدعومين من الحكومة على أساس معتقدات الطالبات وأفكارهن». واعتبر المسؤول القانوني في المبادرة عادل رمضان تصريحات الوزير وإجراءات المدينة الجامعية انتهاكاً صريحاً للحكم النهائي الصادر عن دائرة توحيد المبادئ في المحكمة الإدارية العليا في 9 حزيران (يونيو) 2007، والذي قضى بعدم جواز فرض حظر مطلق على ارتداء النقاب في الأماكن العامة بسبب مخالفة هذا الحظر لكل من الحرية الشخصية والحق في المساواة المكفولين بموجب الدستور. وبالطبع سارع نواب جماعة الإخوان المسلمين – المحظورة رسمياً- إلى طلب مناقشة موقف شيخ الأزهر في مجلس الشعب (البرلمان) المصري مستنكرين ما قام به. والطريف أن نائب الجماعة حمدي حسن قال أن شيخ الأزهر لا يدري أن مصر كلها، بمدارسها وكلياتها وجامعاتها ومعاهدها، رجالاً ونساءً صارت منقبة بفعل كمامات أنفلونزا الخنازير. وبغض النظر عن نتيجة الجولة الحالية من المواجهة بين الطالبات المنقبات والدولة، فهي ليست الجولة الأولى ولن تكون الأخيرة، بل هي سلسلة طويلة شهدت الكثير من الشد والجذب بين الطرفين. فمنذ 15 عاماً، صدر مرسوم عن وزارة التعليم المصرية يمنع ارتداء النقاب في الجامعات الرسمية، ما عدا المؤسسات التي تدرس العلوم الإسلامية مثل الأزهر. وعلى رغم ذلك، فإن عدد الطالبات المنقبات في تلك الجامعات ظل يرتفع ارتفاعاً مستمراً، وظلت حالات منعهن من دخول الحرم الجامعي نادرة. وفي عام 2001، حكمت محكمة مصرية بحق طالبة دراسات عليا مصرية هي إيمان الزيني من دخول الجامعة الأميركية في القاهرة والتي كانت قد منعتها مسبقاً من الانتفاع بمكتبتها لأنها ترتدي النقاب، معتبرة ذلك مخالفة لقواعد الجامعة. وقالت المحكمة في قرارها حينئذ إن «ارتداء النقاب يدخل في دائرة المباح شرعاً ولا يجوز الحظر المطلق لارتداء النقاب، وأنه يجوز إلزام المرأة المنقبة بالكشف عن وجهها متى اقتضت الضرورة ذلك». وفي كانون الاول (ديسمبر) عام 2006، أثار قرار رئيس جامعة حلوان استبعاد الطالبات المنقبات من السكن في المدينة الجامعية التابعة للجامعة الكثير من الاستنكار.