أسرّ الطير الأخضر في أذني أنّ بعْضًا من دُعاتِنا الذين يظهرون يوميًا في القنوات الفضائية قد صاروا أحد أركان الإعلان التجاري، بل وركنه الشديد! بمعنى أنهم يشترطون على القنوات أجورًا ماديّة، تُحدَّد حسب الإعلانات التي تعرضها القنوات بمصاحبة برامجهم، وتتراوح الأجور بين عشرات ومئات الآلاف من الريالات، وهي بالطبع أجورٌ مُعفاة من الضرائب، فنمت ثرواتهم ودخلوا نادي المليونيرات، حتى صار يُقال: أنا داعية.. إذن أنا مليونير، ولم يبق سوى أن تُصنّفهم مجلّة فوربس المشهورة مع رجال الأعمال وفق حجم ثرواتهم، فاللهم لا حسد، وزِدْهم من فضلك، لكن ما لا أفهمه هو أنه لو سُئل أحدهم عن قدوته؟ لأجاب أنه الرسول صلّى الله عليه وسلّم، لأنه خير من دعا إلى الله، وتغافلوا عمّا أُمِر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقوله للناس وفعله، وهو: (قُلْ لاَ أسْئَلَكُمْ عَلَيْهِ أجْرًا)، وأنه قد عاش فقيرًا، ومات فقيرًا، ودعا ربّه أن يُحشر مع المساكين. تخيّلوا فقراء مجتمعين حول التلفزيون لمشاهدة داعية مليونير وهو يعظهم في دينهم لعدّة دقائق، فتنتهي الموعظة، وثروتهم قبلها وبعدها صِفْر، أو بالسالب أي مديونين، أمّا ثروته هو فزادت بالآلاف، فهل تستطيعون استيعاب هذا؟ ومن صار أحقّ بالموعظة؟ هو أم هم؟ ومتى كانت الدعوة في الإسلام وسيلة لصناعة الثروات؟ هكذا لا يعود الدُعاةُ دُعاةً، بل تُجّار ثقافة دينية، في وقتٍ اختلف الفقهاء في جواز أخذ الأجر على الدعوة، والذين أجازوه منهم اشترطوا أن يكون الأجر من بيت مال المسلمين وبقدر سدّ الحاجة، كما اشترط ابن تيمية فيمن يجلس للفتوى التي هي من الدعوة، أن يستغني بماله عن مال الناس، فسبحان ربّ الناس، لقد صارت الدعوة الآن لبعض الناس بقبْض وأخْذ ونيْلِ مالِ الناس.