يوسف المحيميد * نقلا عن "الجزيرة" السعودية روى لي أحد الأصدقاء: جاء شريكي كمال في محل المنجرة، وهو وافد عربي، إليّ ذات يوم، وتوسّل كي أستقدم زوجته، على مؤسستي الخاصة، لكنني اعتذرت لصعوبة الأمر من جهة، ولحاجتي إلى كل تأشيرة استقدام عامل لديّ، المهم أنني بعد أشهر سألته عن أمر زوجته، فقال إن أموره قد انفرجت! سألته: كيف؟ حصلت لها على كفيل؟ ضحك بقوة كما لم أعهد ذلك منه، وقال إنه الآن ليس بحاجة إلى كفيل، فقد أصبح مستثمرًا أجنبيًا، وأخبرني بأنه قد اشترى مصنع الحجر الذي كان شريكًا فيه مع مواطن آخر غيري، وأصبح مستثمرًا أجنبيًا لديه خمسون تأشيرة استقدام، ولم يستقدم زوجته فحسب، بل استقدم إخوتها الأربعة، وأطلقهم يسعون بحريّة في مدن المملكة، يكونون أنفسهم شيئًا فشيئًا، يدّخرون من أرزاقها ومكاسبها الضخمة، حتى يصبح كل منهم مستثمرًا أجنبيًا! هكذا ضيّقت وزارة العمل على المستثمرين السعوديين في إصدار تأشيرات الاستقدام بحجة توفير فرص العمل للسعوديين وخفض معدلات البطالة لدى السعوديين، وأيضًا في محاولة منها للقضاء على حالات التستّر على العمالة التي يمارسها بعض السعوديين في استقدام عمالة وإطلاقها في البلد، والحصول على مبلغ ضئيل عن كل رأس! أي عن كل عامل سائب ومنفلت! ففي مقابل تشدّد وزارة العمل فتحت هيئة الاستثمار الباب على مصراعيه لجميع المشروعات من السباكة ومواد عزل البناء إلى المقاولات والمصانع، وأطلقت يدها في تأشيرات عمالة لا حدود لها! هكذا أصبح العامل البسيط، الذي يضع يده على قلبه خشية أن يُمنح تأشيرة خروج نهائي، أصبح بقدرة قادر ربّ عمل ومستثمرًا ومالكًا، يستقدم من يريد من أقاربه وأصدقائه وأهل ضيعته، دون ضوابط ولا ضمانات! ما أفهمه من نشاط هيئة الاستثمار هو أنها تقدّم تسهيلات للمستثمر الأجنبي كي تضمن دخول رؤوس أموال أجنبية إلى الداخل، بينما ما يحدث هو العكس، رؤوس أموال نشأت وترعرعت في الداخل تحت أيدي وافدين يعملون شركاء مع مواطنين، فقاموا بتهجير هذه الأموال إلى الخارج، ثم أعادوها من جديد تحت غطاء الاستثمار الأجنبي! فكأنما الاستثمار الأجنبي هو وجه جديد للتستر على العمالة الذي تغلغل في جسد البلد لعقود طويلة. ما أفهمه من نشاط هيئة الاستثمار هو أنها تفتح الفرصة للمال الأجنبي للاستثمار في مجالات يصعب على المال الوطني أو الاستثمار الوطني الدخول فيها، أما أن تمنح رخص المستثمر الأجنبي لنشاطات عادية قائمة بجهد المال الوطني فهو أمر لا جدوى منه؛ فما معنى مستثمر أجنبي في منجرة صغيرة، أو محل مواد بناء، أو مواد عزل، أو مصنع حجر؟ لا أحد ينكر أن فكرة الهيئة فكرة رائدة ومهمة في زمن الاقتصاد المفتوح، وهي موجودة لدى كثير من الدول المجاورة، لكنها تحتاج إلى ضبط وتحديد الأنشطة ورؤوس الأموال المطلوبة، أما أن يتم منح رخص المستثمر الأجنبي عشوائيًا وفي ظل شروط متواضعة وبلا ضمانات، كما يحدث الآن، فهو قد يجرّ كثيرًا من الأنشطة التي كانت قائمة وناهضة إلى هاوية قد لا ندرك خطرها إلا بعد فوات الأوان.