كان يحدثني أحد الأخوة مستهجنا الطلب، بعد أن ختم حديثه متسائلا: هل هذا يصح يا دكتور؟ فقلت: أعذرني فلم أكن متابعا حديثك، لأنني كنت أرد على مكالمة، أعد علي الموضوع، فقال: بالأمس طلبت مني زوجتي أن أساعد مجموعة من الفتيات اليتيمات على إقامة حفل سحور لمجموعة من صديقاتهن غير اليتيمات، بتكلفة عشرة آلاف ريال، فما رأيك؟ قلت: سواء كن يتيمات أو غير يتيمات لو كنت مكانك لما وافقت في هذه الظروف بالذات، فنحن نمر بمأساة كبرى حيث يوجد 15 مليون مسلم باكستاني في أزمة، والشتاء مقبل عليهم، وكثيرون هم الذين فقدوا مساكنهم ومتاعهم، ومصدر رزقهم، وكثيرون هم الذين لا يجدون ما ينامون عليه أو يتغطون به، أو يسكنون تحت سقفه، وعشرة آلاف ريال، يمكن أن تشتري 25 خيمة يمكن أن تسكنها 25 عائلة لا يقل عدد أفرادها عن 125 شخصا، فأيهما أولى طعام عشاء، لمجموعة فتيات مع ما يمكن أن يدخله من سرور على نفوسهن، أم إيواء 125 شخصا منكوبا؟ ومن لا يريد أن يشتري خياما فيمكنه أن يشتري بعشرة آلاف ريال، 1000 بطانية تدفىء 2000 طفل من برد الشتاء القارس، أو 1000 كبير، كما يمكن لهذا المبلغ أن يشتري من الطعام ما يطعم 100 أسرة لعدة أيام. ناهيك عن أن آخر إحصاء للأمم المتحدة يقول: إن هناك 72000 طفل مهددون بالموت جوعا في باكستان، ولو توقفنا عند قول المصطفى عليه الصلاة والسلام: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم به»، لخشينا جميعا من ذهاب صفة الإيمان عنا، ونحن بتنا جيرانا نسمع ونرى ما يصيبهم، وربما كثيرون منا صاروا يعلمون عن نتائج الفيضانات أكثر مما يعلمه بعض أهل باكستان الذين انقطعت بهم السبل. ونحن بلاشك مسؤولون عن إغاثتهم؟ قياسا على ما كان يستشعره عمر بن الخطاب حين حرم على نفسه أن يأكل إلا الخبز والزيت حين كانت بعض أمصار المسلمين تعاني من المجاعة والحاجة؟. ولإخوتنا في باكستان الذين بات الملايين منهم بلا مأوى أو طعام أو دواء أو ملابس حق في أعناقنا يتطلب من كل من يملك ولو بطانية تزيد عن حاجته أن يتبرع بها، كما أن الفرصة مواتية الآن لزرع قيمة الانتماء على أساس الدين والشعور بما يعاني منه هؤلاء الملايين بغض النظر عن نوع معاناتهم. أليست هذه الأيام أنسب الأيام لتزكية نفوسنا ونفوس أبنائنا وبناتنا؟ أليست هذه الشفافية في النفوس في رمضان فرصة مناسبة لحث الناس على التبرع بما تجود به نفوسهم؟، إن رؤية ما تنقله عدسات المراسلين يوميا ينبغي أن تجعلنا جميعا نساهم ليس فقط في التشجيع على التبرع لهم بالخيام والمال والطعام والملابس والأدوية فقط، وإنما توظيف هذه المناسبة لزرع قيم الانتماء إلى الأمة المسلمة، وتحويل ما قاله المصطفى: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، إلى سلوك حقيقي.. لقد رأينا كيف هرع العالم لمساعدة سكان هايتي حين ضربهم الزلزال، ولكن وبكل أسف تقاعس العالم وبالتحديد العالم الغربي عن نجدة باكستان لدرجة أن مسؤولة الإغاثة البريطانية عتبت على العالم بأسره لتقاعسه وتأخره في تقديم المساعدات، ليتنا نظهر للعالم كله أننا غيورون على رسولنا فنحيل ما يقوله إلى عمل، تماما مثل غيرتنا عليه حين أساء إليه رسام عنصري متغطرس.. وأنا على يقين أن مسارعتنا لنجدة إخواننا الذين تضرروا بفعل الفيضانات هو صورة أخرى لغيرتنا على نبينا، فاتباعه حق الاتباع هو تحويل كل كلامه وتعاليمه إلى سلوك نثبت فيه للعالم أننا أمة تملك القدرة على تحويل الألفاظ إلى أفعال، وأن عهد الانفعالات قد ولى وبدأ عهد الأفعال.