تستهويني التحقيقات والاستبيانات والموضوعات الصحفية التي تتحدث عن الزواج، وبالذات حين يكون الحديث عن (زواج المسيار) وأخويه من الرضاع «المسفار» و»المؤانسة»، لا لشيء إلاّ لرغبة قديمة وأَدَتها رحى السنين العاتية، والظروف الموحلة، وتكشيرة (الرفيق) الذي ينقلب من حمل وديع طيّب المعشر إلى (ذئب) شرس لا يتورّع في الانقضاض عليك عند الحديث عن فائدة الزواج بأخرى! وكنت من أوائل من كتب عن زواج المسيار «في أوج توهُّجه»، وعن فوائده التي لا تخفى على ذي بصيرة؛ وطالبت وقتها بتغيير التسمية إلى «زواج الوفاق»، باعتباره في النهاية وفاقاً بين الرجل والمرأة ولإبعاد شبهة التسلل في الليل البهيم إلى «خدر» الزوجة المصون؛ وقلت: إنّ الفعل اللعين (سار) ومشتقاته هو لا غيره المسؤول عن تخوّف بعض النساء، ورفضهن لهذا النوع من الزيجات، ففيه كما قلنا شبهة السير والمسيار في لجّة الليل الحالك، وقد تحمّلت الكثير من الهجوم الشرس، خاصة من فئة النساء «المفتريات»، حتى أنّ إحداهن قالت: هل ترضى هذا الزواج لأختك أو ابنتك؟، ورغم صمودي ومحاولتي الإجابة الفورية بأنّ ذلك عائد لها؛ إلاّ أنّ ذلك لم يقنعهن؛ ولسوء حظ أولئك النسوة الغيورات، فقد ظهر فيما بعد نوعان آخران من الزواج (فاتح الشهية)، وهما زواج (المسفار)، و(زواج المؤانسة)، ولم يبق أمامهن إلاّ الاستسلام للقضاء المحتوم! والمسفار كما أفهم لا يكلف أكثر من تذكرة سفر، وعقد مكتمل، ورغبة من الطرفين في قضاء إجازة سعيدة! وبما أنني رجل كثير الأسفار، فقد أبديت تعاطفي وتأييدي وابتهاجي لهذا النوع الرومانسي، ووجدت فيه فرصة للإفلات من قبضة (البعض) وممن أوصد الأبواب في وجهي بدعاوى كثيرة؛ أما زواج «المؤانسة» فهو زواج عذري بامتياز، يقترن فيه الرجل بالمرأة لا لهدف إلاّ «المؤانسة» و «السوالف» و»شرب أقداح القهوة المهيّلة»، ووضع سريرين متقابلين، حتى ولو كانت البطون خاوية! يقول الأصمعي: مررت ذات يوم بعجوزين متقابلين في خيمتيهما، فسمعت الرجل يقول بصوت مؤثر: (يا رب إني قاعد كما ترى وامرأتي قاعدة كما ترى والبطن منا خاوياً كما ترى فما ترى يا ربنا فيما ترى؟) المهم؛ هذه (الميمات) الثلاثة فيها فرج وفسحة لمن كانت له مشاعر تنبض بالاخضرار والرغبة . ولكنه – مثلي - يملك قلب «نعامة» فتخاء تجفل من صفير صافر! وفي ظني، أنه لو قدّر لمؤسسة «نوبل» أن تضيف جائزة لمن يبتكر اسماً جديداً لجمع رأسين بالحلال لما استحقها غيرنا نحن العرب؛ فلغتنا ثرية بالاشتقاقات المذهلة التي تستطيع أن تبتكر دلالة لفظية لكل حالة مستجدة! نعرف أنّ الأمم تتبارى في الاكتشافات العلمية، ونحن نتبارى في الاكتشافات اللفظية، فلا فرق بيننا! أليس الهدف الأسمى لأيّ ابتكار هو إسعاد «بني البشر»؟ ... أسعد الله صباحاتكم أيها القرّاء!!