تعاني الكثير من القنوات الهادفة مشكلة في الرؤية وصعوبات في التنفيذ ومعوقات في الواقع، رغم النجاح الذي حققته بعض القنوات. في هذه العجالة سأستعرض بعض محددات النجاح، آملاً أن تكون نافعة ومفيدة. أولاً: استحضار النجاح: تعتبر الرغبة في النجاح قضية مسلمة، لكن في الحقيقة تحتاج تأكيد شديد؛ لأن البعض يعتقد أن وجوده على القمر الصناعي ووجود برامج على الشاشة هو النجاح. ثانياً: لابد من وضوح الأهداف: ماذا نريد؟ وتكون الأهداف دقيقة، محددة، قابلة للقياس، واقعية، مناسبة للظروف الحالية. ثالثاً: لابد من تحديد الجمهور المستهدف، وفي ظني أن أغلب القنوات الهادفة تفتقد هذا الجانب فهي تريد الجميع صغاراً وكباراً مثقفين وأميين متدينين وليبراليين في الخليج والسعودية وأيضاً المغرب العربي.. ولا شك أن التوجه العام للقنوات اليوم هو الجمهور المحدد؛ لأن التعميم يصعّب الأمر على القناة ويجعل تحقيق الأهداف شبة مستحيل. إحدى القنوات - في أيام التأسيس - تقول: نريد العالم كله، الشرق والغرب، الشمال والجنوب، المسلم وغير المسلم، الهندي والأمريكي، المرأة والرجل... وهلم جرا، وفي ظني أنهم لم يصلوا إلى عشر معشار هذا الجمهور فضلاً عن إقناعه برسالتهم. من الجيد أيضاً التخصص موضوعياً؛ فالقناة العامة أمامها تحديات أكبر بكثير من المتخصصة، والتوجه الدولي هو نحو التخصص سواء كانت القناة إخبارية أو وثائقية أو قناة أطفال... تحديد حاجات الفئة المستهدفة (جمهور المشاهدين) وماذا يريد، وما يكتنفه من مؤثرات خارجية، وما هو متاح له من قنوات.. كيف نحقق له حاجاته تمثل التحدي الأهم، خصوصاً أن التغيرات الاجتماعية في المجتمعات العربية (خاصة) كبيرة وثقافة الناس تتغير بسرعة، ومن لا يدرك هذا الأمر يفوته الكثير وقد بفشل في إقناع جمهوره. (إحدى القنوات الهادفة تخصص في برامج الواقع واستطاعت أن تجذب جمهوراً محافظاً جيداً بالذات من الأعمار الكبيرة، وأصبحت هذه النوعية من البرامج علماً عليها). آليات النجاح كثيرة لكن يعتبر العنصر البشري هو الأهم في الموضوع... ونقصد الخبراء والمختصين، وهؤلاء عماد العمل الإعلامي فهم أهل التخطيط والإشراف ومصدر الإبداع. لابد من وجود قيادات إعلامية مؤهلة (لا يصلح شيخ يقود قناة، ولا شخصية ليس لها خبرة إعلامية تدير قناة، ولا يصلح مدير برامج يفتقد الإبداع ولا مدير إنتاج ضعيف الخبرة). إن ما تميز به الغرب إعلامياً هو الاستعانة بأهل الاختصاص الدقيق - وهذه سمة العصر - في أدق تفاصيل العمل الإعلامي، من التصوير والإخراج والمونتاج، فضلاً عن غيرها من التفاصيل. الرؤية الإعلامية تحتل حجز الزاوية، وهي إجابة لسؤال محدد: ماذا نريد؟ وكيف نحقق ما نريد؟ وما هي الأدوات المناسبة ووسائل التنفيذ؟ وما هو متاح أصلاً من إمكانات مادية لتحقيق ما نريد..؟! الرؤية الإعلامية تحتاج خبرة إعلامية واسعة، وتجربة واطّلاع على تجارب الغير، وواقع القنوات الأخرى، ونقاط الضعف والقوة عندهم، والقنوات العالمية والصناعة الإعلامية بعامة، كي نستطيع أن نصوغ الرؤية بناءً على دراسة مهنية واقعية، وليس على مجرد أفكار أو اجتهادات شخصية سريعة. في القنوات الهادفة نحتاج قنوات دعوية إسلامية، لكن نريدها أن تستحضر آليات الإعلام المرئي الحديثة.. من سرعة إيقاع، وجاذبية أشخاص، وجمال في الديكور، وإبداع في التصوير، ومهارة في الإخراج. ينبغي حسن اختيار الأشخاص بناءً على المعايير الإعلامية المهمة، إضافة بالطبع للقدرات الدعوية الشرعية، لكن الثانية فقط لا تكفي...لابد من تنويع في طريقة إطلالة الشيخ أو الداعية، وأسلوب الحديث، والمكان والضيوف. نحتاج قنوات تعليمية تعلم الناس دينهم، ولكن من خلال الطرق الحديثة، سواء الكرتون أو الدراما أو الحركة بعيداً عن أسلوب التلقين المباشر من خلال شخص عادي. دائماً ما يشكو أصحاب القنوات الهادفة من المال وقلة مصادره، وهذا نصف الحقيقة، فالنصف الآخر هو: هل نحن لدينا الخبرات الكافية للاستفادة المثلى لما هو متاح مادياً؟! وهل وظفنا مختصين في إدارة الإنتاج البرامجي؟ وهل بالضرورة ابتداء البث (24) ساعة ومحاولة ملء الشاشة بأي شيء؟! يمكن الاقتصار على (4) ساعات بث يومياً تغطي وقت الذروة، ويمكن خلالها تقديم برامج متميزة - على الأقل واحد يومياً - إذ إن طول فترة البث تمثل إرهاقاً مادياً كبيراً على القنوات الهادفة.. أيضاً يمكن التعاون بين القنوات لإنتاج موحد (لبعض البرامج المكلفة مثل الدراما) وتقاسم التكلفة. أيضاً يمكن الاقتصار على برامج منخفضة التكلفة، لكنها تعتمد على شخصيات مبدعة إعلامياً لجذب الجمهور. برامج الشارع غير مكلفة، ويمكن تطوير برامج تحاكي واقع الناس، وتقترب من اهتماماتهم بتكلفة يسيرة. عدد الموظفين في القناة ينبغي أن يكون في الحد الأدنى، وعند الاعتماد على أشخاص ذوي كفاءة فإنهم يفوقون - عددياً - الكثيرين؛ إذ إن إدارة المؤسسة الإعلامية (القنوات) تختلف عن غيرها من المؤسسات التجارية والحكومية بشكل جذري. القنوات تعتمد على المضمون الذي يُبث، وهو يعتمد على الإبداع البشري والذي يحتاج بدوره إلى بيئة عمل مثالية. لا يناسب الاعتماد على نمطية الدوام التقليدي، ولابد من المرونة الواسعة وإعطاء الصلاحيات المناسبة، وتشجيع الموظفين على الإنتاجية المتميزة والإبداع الفني من خلال الرواتب المجزية، والتشجيع المستمر، وبيئة العمل المرنة، وبما يمثل دافعاً قوياً للإنتاج المتميز (في جوجل لا يوجد دوام ولا ساعة، وهناك حوافز ضخمة للإبداع.. غرف نوم ومطاعم مجانية فقط للمقارنة..!!) الدراسات والبحوث سواء بحوث المشاهدين أو البرامج ومن قبل جهات متخصصة، مهم جداً للقنوات الهادفة لتعرف أين موقعها الآن، وهل حققت أهدافها؟ وما هي البرامج الناجحة وسبب نجاحها؟ وأين مواطن الخلل؟ المشاهد هو الحكم وليس إدارة القناة، فالاهتمام بهذا الجانب يمثل أهمية قصوى لابد من اعتبارها. هناك تكرار في القنوات الهادفة في طبيعة القناة ونوعية البرامج، مما يمثل عبئاً على الجميع فنياً ومادياً.. لماذا لا تتكامل هذه القنوات؟! أو تغير رؤيتها بحيث تكون مكملة لبعضها البعض، بدلاً من التنافس الذي يضعف –بالطبع- الجميع؛ لأن عدد المشاهدين سوف يتوزع بينها، وبالتالي يضعف فرصة الجميع في الحصول على عوائد مادية مناسبة . الشاشة هي المنتج النهائي.. المشاهدون لا يهمهم ما يجري خلف الكواليس، ولا من يدير القناة، ولا خططها.. الشاشة هي الفيصل بين الجميع .. أن تجذب جمهوراً مناسباً هذا هو التحدي..!! إن مما يشرح الصدر هذا العدد الكبير من القنوات الهادفة ذات الأثر الإيجابي، لكن السؤال المهم: هل تستطيع أن تكسب هذه القنوات سباق التحدي، وتفرض نفسها رقماً صعباً لايمكن تخطيه؟ أرجو ذلك.