خالص جلبي - الوطن السعودية أذكر هذا جيدا من كتاب أسيميل الألماني، وكان متعة في تعلم اللغات.. بدأت بها، بالألمانية ثم الإسبانية ثم الفرنسية، وهو كتاب رائع من مؤسسة ضليعة بتعليم اللغات من هو خارج جغرافيا اللغة ليس بين أهلها، فيضعون جملة بسيطة في كتاب جيب صغير مع أشرطة صوتية أربعة، وكاريكاتور للنكات، ثم حكم قصيرة، ومنهم تعلمت هذه الحكمة الممتازة؛ لا أخبار .. أخبار جيدة.. (keine Nachrichts... gute Nachricht) ثم عرفت نظيرها باللغة الإنجليزية (No News... good News) يعنون بها حين لا تأتي الأخبار فمعنى ذلك أن ليس من أخبار سيئة على الأقل. وحين أصعد طائرة اللوفتهانزا أعرف سلوك الألمان جيدا في هذه الأشياء، فالكابتن يقول إن هناك أخبارا جيدة وسيئة فلنبدأ بالسيئة حتى يجعل النهاية حلوة سارة مشجعة.. عندما ننتظر بلهفة خبر أمر ما فلا يأتي الخبر فلنعلم أنه خبر جيد، ينطبق هذا خاصة على الأخبار المزعجة والمنكدة، إنه مضحك أليس كذلك؟؟ ولكنها الحقيقة!! لنجرب ذلك؟ المريض الذي يراجعنا ونجري له عملية جراحية ونحن نقلق عليه أين هو؟ وماذا جرى له؟ كما حدث معي مع مريضي أبو ناصر الذي عملنا له عملية جراحية خطيرة بعد انفجار أم دم كاذبة بسبب إدمان المخدرات فأردت الاطمئنان عليه هل تابع الإدمان؟ أين مصير عمليتنا؟ هل كل شيء على ما يرام؟ الجواب طالما ليس من خبر فالعملية شغالة ليس من مشاكل! وسترى وجهه يقينا مع المشاكل والمضاعفات!! ويشبه في هذا عندما يصلح ميكانيكي سيارة لمراجع فتنصلح فلا يراجع، معناه أن سيارته على ما يرام فلا يخبر ويراجع إلا بفشل الإصلاح مع الزعيق والبعيق والانزعاج والصراخ!! أو مريض آخر يعاني من مشاكل اتصل علي سائلا قلقا ثم سكت؟ حتى إذا اتصلت به عرفت أنه بخير ولم يكلف نفسه الاتصال للتطمين. وهكذا فحاجة المرء الضاغطة تجعله يلح ويتابع ويسأل فتعرف أن هناك مشكلة، أما حين يسكت ويسكن فمعنى ذلك أن المشكلة حلت وليس من مشكلة وليس من ألم ومرض ومضاعفات.. مثل هذا أيضا في موضوع تحويل الأموال. هناك رجل يلح ويطالب بمال ثم تحول المبلغ وتتمنى منه أن يتصل ويطمئن أن الحلاوة ذابت في حلقه! لا جواب ! الجواب اطمئن فقد وصل المال!! ولكنك تريد الاطمئنان. من أعجب الأمور حين حولت مبلغا كبيرا لألمانيا.. والألمان قوم دقة. لم يأت الجواب. أرسلت رسالة موبايل ثم إيميل ثم تلفونات، لأن المبلغ كبير! أخيرا يا أحبائي هل ذابت الشوكولاته في حلوقكم ؟؟ عفوا لقد تأخرنا.. نعم لقد وصل المبلغ.. المسافر الذي يودعك ويصل مأمنه تتمنى بعد أن ودعته أن تطئمن هل وصل بخير، خاصة إذا كان في طائرة شرق أوسطية وليس على ظهر إير فرانس أو لوفتهانزا.. وليس من ضمان، فقد وقعت إير فرانس في عرض المحيط واحترقت اللوفتهانزا في مطار الرياض! ولكن الأرجح.. لا جواب حتى تعرف عرضا صدفة أو تحاول أنت من طرفك فتعرف أنه وصل بأمان... خبر إنسان غابت عنك أخباره من ولد أو صديق .. سافر إلى بلاد الهند والسند فترسل أنت رسالة وتتصل حتى تعرف أنه بأمان.. إنها قاعدة لطيفة أليس كذلك؟ ولكن حذار من التفسير السيئ، فمع الخبر الهام والاطمئنان الأكيد تبرع أنت واتصل وعلى حسابك حتى تستقيم الأمور وتنام قرير العين هانيها. واعتمد يرحمك الله قاعدة لا تتبرع بنقل الأخبار السيئة والمقبضة والمنفرة والمزعجة والمزلزلة، واجعل سحنة وجهك مترافقة بالأخبار الطيبة السارة، إلا في حالة الخطر على الحياة والتهديد بها، كما حذر ذلك الرجل موسى أن يهرب من المدينة.. أن الملأ يأتمرون به ليقتلوه.. أو قصة جان فالجان التي كذبت له الممرضة المتدينة خوفا عليه من الاعتقال الظلم فكذبت كما كذب إبراهيم عليه السلام على فرعون الذي وضع عينه على سارة فقال إنها أخته، وليس الكذاب من نمَّى خيرا..