د. محمد الحربي - عكاظ السعودية تصريح رئيس جمعية حماية المستهلك الدكتور محمد الحمد (أن الجمعية تواجه تحديا في وضع قائمة سوداء لمن يخالفون النظام بغش المستهلكين، إذ إن الحكومة ترفض ذلك بدعوى أنه يمكن أن يؤثر سلبا في نفسية «قبيلة» المدان بالغش التجاري)، تصريح صادم بكل ما في الكلمة من معنى، ليس لأنه صادر عن مسؤول وحسب، بل لأنه تحدث باسم الحكومة أيضا. لست متأكدا من دقة وصحة المعلومة التي أوردها الدكتور الحمد في تصريحه، وما إن كانت تستند إلى نص قرار أو تعميم وزاري معلوم يمنع التشهير بالتجار «الغشاشين من عيال القبايل» ووضع أسمائهم في قائمة سوداء تحذر المستهلكين منهم ومن محالهم التجارية؛ حماية للناس من التعرض للغش الذي قد يؤثر سلبا على صحة المستهلك وربما أودى بحياته نتيجة استخدامه لقطع غيار مغشوشة، أو تزوير تواريخ أغذية منتهية الصلاحية، أو أدوية تحتوي على مواد ضارة. وهل يعني الدكتور الحمد أن التشهير بالتجار «الغشاشين اللي ما هم عيال قبايل» تسمح به الحكومة؛ لأنهم ليس وراءهم قبيلة ستتأثر نفسيتها سلبا عند إدانتهم بالغش التجاري. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنه في تصريح صحافي سابق لمدير فرع وزارة التجارة في محافظة جدة محمد عتيق الحربي قال: (إن التشهير بأسماء التجار الذين يتم ضبط مواد فاسدة أو مغشوشة عندهم هو من ضمن العقوبات المقررة ويتم تحديدها عن طريق اللجنة التي تصدر الأحكام، فإذا ارتأت أن الموضوع يستحق التشهير يتم التشهير باسم التاجر، أو المستودع، أو السلعة، وأن الغرامات منها قفل المحل من أسبوع إلى ثلاثة أشهر، أو غرامة مالية من خمسة آلاف إلى مائة ألف ريال، والتشهير لا يأتي إلا في حالات نادرة)، وهنا نجد تناقضا واضحا مع تصريحات الدكتور الحمد مما يدل على وجود عقوبة التشهير ضمن أنظمة الدولة مطلقا على العموم وبدون استثناء «عيال القبايل» دون غيرهم. ما نعلمه جميعا أن القبيلة تكرس مفاهيم الشرف والأمانة وتفتخر بالشرفاء الأمينين وتنبذ الفساد والمفسدين ولا تتستر عليهم، وأعتقد أننا في زمن تجاوزنا فيه الحساسيات القبلية في هذا الجانب، وإن كانت موجودة في جوانب اجتماعية أخرى، وليس من المنطق أن نعطل نظاما، أو أن نستر على مفسد أضر بمصالح الناس وحياتهم مراعاة لنفسية أو خاطر أي أحد «أيا كان هذا الأحد»، لأن ذلك ببساطة يا دكتور محمد الحمد يتعارض مع المصلحة العامة والمصالح الخاصة، ولا أعتقد أن مثل هذا الكلام يمكن تمريره تحت أي ظرف كان. لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغش وتوعد فاعله، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟»، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: «أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني» وفي رواية «من غشنا فليس منا» وفي رواية «ليس منا من غشنا» (رواه مسلم). وبما أن جمعية حماية المستهلك عاجزة عن إقناع التجار الغشاشين بأن يبينوا الخلل في بضائعهم للمستهلكين قبل الشراء (كما في الحديث الشريف)، فليس أقل من أن تحمينا منهم وتكشفهم لنا عند اكتشافها لغشهم؛ لنحذر منهم ونحمي أنفسنا.