محمد أبو حمرا - الجزيرة السعودية فرق بين الثقافة المكتسبة وبين القناعات الشخصية؛ كما هو الفرق بين الثوابت والمتغيرات؛ إذ إن الثوابت لا يمكن زحزحتها مهما حاول المحاولون؛ أما تغيير مناحي الثقافة فيمكن تأطيرها لكل زمن لتوافق متغيرات ذلك الزمن. وكثيرا ما نرى من يحاولون زحزحة الثوابت عن مكانها وزحلقتها إلى مكان يروق لهم... ؛ ومع ذلك لم ولن يفلحوا؛ لأن محاولة الانسلاخ وتغيير الجلد كما يفعل الثعبان في مواسم السنة لا يمكن أن تنطبق على ثوابت من الدين ولها قدسية النص والتأويل والتفسير معا؛ ولها ثبوتية النهج والمنحى في التطبيق؛ فلا يمكن أن تتغير بناء على اجتهاد من غير مجتهد؛ أو رغبة من راغب؛ وحتى لو بلغ المجتهد درجة الاجتهاد فلا يمكن أن يتعرّض للثوابت أبدا؛ بل يجتهد في الفروع فقط. نجد كثيرين من كتاب الصحافة ووجوه الإعلام يحاولون أن «يجتهدوا» في المراوغة والتحايل على كثير من ثوابت دينهم؛ وقد أصبح ذلك هو همهم الشاغل لهم؛ ولكن مهما حاولوا فالفشل حاصل؛ والغريب أنهم يجدون من يصفق لهم وكأن الكل يحمل هما عظيما لديهم وهو سلخ الكثيرين من دينهم إلى فسحة من التمييع ويليه التخلي تماما عن عقيدتهم؛ ليصبحوا بلا شيء؛ وهذا المنهج والطريق جارفان وخطيران نقلا وعقلا وممارسة؛ وللأسف أنهما ممارسان من قبل « ثلّة « نذروا أنفسهم كمعول هدم يضرب في ثوابت ولا يحصل على شيء سوى أن يتثلّم فأسه الرديء ولا تتزعزع الثوابت؛ بالرغم من التلميع له ولفأسه الصدئ؛ وبالرغم من عدم يأسه وظهور إفلاسه. والمؤسف والمحزن ما نجده من كتاب يرفعون أعناقهم لمطاولة أعلام برزوا وبزوا أقرانهم في العلم الشرعي؛ أولئك الذين عميت عيونهم وهم يجثون على الركب طلبا للعلم المتأصل؛ فصار أولئك الكتاب يشنون الحملات التشكيكية أو الهمز واللمز لهم ولمنهجهم؛ ويصفونه بأنه متشدد وجامد أو أنه غير مرن لدين المرونة؛ وهي جرأة لم يسبق لها مثيل في عصور الإسلام المتتابعة للأسف؛ وشعارهم «حرية الرأي» وهي حرية مزعومة وأهدافها معلومة؛ ولكن عندما يقال لهم: لا... لا نوافق على ما قلتم. سيقولون هذا فكر رجعي أو أكل الدهر عليه وشرب أو غير ذلك من تأطير ضيق لوجهة النظر الأخرى؛ وهم بذلك يصادرون الرأي الآخر ولو كان هو الأقرب للصحة أو الصحيح فعلا. إذن المسألة ليست حرية رأي؛ إنما هي محاولة سلخ لغيرهم من الدهماء وانسلاخ وانحلال من عقيدة صافية يحاولون أن يجعلوا الرؤية تجاهها مشكوك في صحتها؛ وبهذا النهج المتكرر يصيب الضعفاء فكرا وتحليلا وتمحيصا بعض الشك حتى يصابون بلوثة «الشك أقرب للصحة» أو»العقل أولى من النقل»وهذا ما يريد البعض من المأزومين فكريا أو المنحلين أخلاقيا ويريدون أن يتحلل الناس من دينهم كما يفعلون. ولو سألت أحدهم: ما دينك ؟ سيقول: أنا مسلم. وهو جواب معلب وأجوف في أحيان كثيرة لما يتبعه من تفرعات تجعل إجابته غير دقيقة ولا صحيحة عند التمحيص والتدقيق في نصوص يقرّ هو بها؛ لكنه يحاول التملّص من تبعاتها ويراوغ عن تطبيقاتها التي ثبتت بنصوص لا تحتمل التأويل الآخر أبدا؛ وإذا ما تم التضييق عليه بمجابهته بتلك النصوص ذهب إلى مبدأ التشكيك في الصحة أو قول: إن العقل لا يقر ذلك. ونسي أن المسألة العقدية أمور غيبية لا تندرج تحت إطار ما يسمى بمذهب العقل أو تحكيم وجهة نظر أو غير ذلك مما يجب التوقف عنده من الأمور الغيبية التي أخبرنا بها القرآن بشكل مجمل لا تفصيل دقيق فيه؛وأمرنا بالتصديق بها؛ بل هي فوق تصوّر العقل البشري القاصر. وفي نفس الوقت تجد الطرف الآخر المضاد لهم يلصق بأولئك أنهم من المتغربين أو من الليبراليين أو قد يطلق عليهم «عملاء السفارات !!» وهو هاجس لا يثبت عند التمحيص؛ لأن منطلق فكر أولئك المشككين إنما هو رد فعل لفعل على آخر لم يفهموا طريقة عرضه لفكره؛ وهنا يشتد الخلاف والعناد ليخرج لنا كلا الطرفين بسلخ الطرف الآخر من ما هو معتقد به وموقن له؛ لكن لا يستسلم أي منهما للصحيح ولو ظهر للعيان. المسألة هي تصارع بين متساهلين لدرجة أنهم يشكّون ويتشككون في الكثير؛ وبين متصلبين لرأيهم «وهو الأقرب للصحة أو هو الصحيح» لكنهم بطريقة دفاعهم يفقدون فسحة ورحابة الصدر؛ وهنا منشأ الخلاف بين الطرفين. فكيف نجعل الكل عقلاء في الطرح والتلقي والإرسال حتى نضمن عدم المساس بالثوابت؛ ونضمن توقّف أصحاب الهوى عن خذلانهم؛ أما الفروع فلها من يحكمون الخلاف باجتهادهم وخاصة من مجتهدي الأمة.؟