تبدو مسألة التكسب بالعلم الشرعي غير مقبولة في العرف السعودي، هذا ما تقوله ردود الأفعال على تصاريح بعض مسؤولي المهرجانات الصيفية حول أجور الدعاة التي تفاجأ البعض بأنها فلكية. شخصياً ومثلي كثير نعرف أن هذه صناعة قديمة، لكن الضوء عليها كان خافتاً، لأن الأسماء الشهيرة كانت محدودة، وكذا المهرجانات السياحية كانت حكراً على بعض المدن، وبعض هذه المهرجانات ذو صبغة ترفيهية تعتمد الغناء والفنون الشعبية، وبعضها اكتسى بثقافة قريته أو أهل مدينته وبات مهرجاناً دعوياً، وكلاهما يحقق الهدف من شغل فراغ الناس، وتوفير فرص تنفيس طاقات الناس وأعضاء اللجان، وإيجاد مادة لمراسلي الصحف. التدين، وما يرتبط به مصدر رزق عريق في بلادنا، ربما لا ضير في ذلك، فمعلم الصبية القرآن الكريم منذ قرون يجب أن يأكل ويعيش، وكذا الإمام الراتب، والمحتسب في الحسبة الرسمية التي يضعها ولي الأمر، وهم تطوروا إلى معلم، ورجل هيئة، ومنسوب لوزارة الأوقاف، وعلى ذلك قس. وعرف عن بلادنا أن المتدينين، خاصة أولئك المتمظهرين، يحصلون على دخول أعلى، والطرفة أو القصة الحقيقية، لا أدري، عن الشقيق العربي الذي يهاتف قريبة الحاصل على تأشيرة عمل يصيح به «ربي دقنك تنفعك أوي في السعودية». وعوداً على المهرجانات تحديداً، فأصبح معروفاً لدى الجميع أن هذا الواقف أمامهم، يعمل بالساعة، وبأجر كبير، وتم تمويل أجره من تذاكر دخولهم، أو مشترواتهم من الأكشاك، او الرعاة، أو أياً من مصادر تمويل المهرجان حتى لو كانت حكومية، أو من أصحاب الأيادي البيضاء من رجال أعمال المنطقة، ان وجدوا، وعليه فهو يعمل وفقاً للحساب، وليس الاحتساب. ليس عيباً أن يتقاضى صاحب العلم، أو الشهرة بالعلم، أو فصيح اللسان، قوي البيان، أجراً على وقته، فهذا جهده، وهذه حصيلته، لكن أيضاً يجب ألا يعامل جمهوره، ممولي شهرته وخزنته، على انه الأستاذ وهم الطلبة، أو بعبارة أدق على انه «الشيخ»، وهم عامة الناس، بل اعتقد أن المعاملة تكون هنا على مبدأ انه النجم الذي استحقت ساعة من مسائه آلاف الريالات، وهم الجمهور، الذي «استأجره» لهذه الساعة أو الاثنتين. إحدى النقاط التي للتوقف عندها، أن الشهرة توسع دائرة طلب الفتوى، والشهرة كانت قديماً بعمق العلم، والتواضع، والزهد في الدنيا، بل الهرب من زخرفها، كما عهدنا في بعض مشايخنا، وهي اليوم أصبحت صناعة، فلبعض الدعاة وطلبة العلم أو «المشايخ»، على تحفظي على استحقاق بعضهم للقب، مديري أعمال، ووكالات تسويق، أو بمعنى آخر سوق فيه عرض وطلب، وتنافس، وربما ضرب من تحت الحزام... وللحديث صلة.