الناس كثيرا ما ينسون نجاحات الأشخاص ، ويتذكرون إخفاقاتهم ، وفي مجتمع محافظ كمجتمعنا ، يضع عالم الدين في قمة الهرم الاجتماعي والثقافي تكون أخطاء عالم الدين كبيرة ، وغير مقبولة ، لا سيما أن علماءنا الكبار عرفوا بالتثبت والتروي في أحاديثهم ، وعدم الحرص على الظهور الإعلامي ؛ لعلمهم أن حب الظهور يقصم الظهور كما يقال. ولدينا اليوم دعاة مقيمون في القنوات الفضائية ، تجدهم في تطوير الذات ، وصناعة الحياة ! ، ومهارة الإلقاء ، والبرمجة العصبية ، والشعر الشعبي ، وتفسير الأحلام ، والطب البديل ، أصبحوا يفتون في كل شيء ، وانساقوا وراء سلطة الظهور والجمهور فوقع بعضهم في طوام وأخطاء لا تليق بطالب علم ، ولكنه الهوى الذي يعمي ويصمّ. وأصبحت التقنية اليوم لا ترحم أحدا ، والإعلام الإلكتروني يتتبع هذه الأخطاء ، ويقوم بنشرها ، وإتاحة فرصة التعليق عليها ، مما يعمق الهوة ويزيد المشكلة رسوخا . فبعض الدعاة يغريه تدفق الألفاظ ، وتزاحم الناس ، فينسى نفسه ورسالته ، فيأتي بكوارث فكرية تنقض رسالته من أساسها . يتناقل الشباب كثيرا من هذه المقاطع ، ويديرون حولها حوارات ساخنة ، ويصدرون أحكاما عامة ستشكل مع الأيام موقفا عاما وترسم للداعية صورة نمطية مخيفة. لا غضاضة على الشيخ من توظيف الطرفة في حديثة ، لكن حين تكون الطرفة عنصرية مقيتة ، فهذا يتناقض مع مبادئ الدين ، وأخلاقيات الدعوة ، فالرسول صلوات الله وسلامه عليه عندما سمع أبا ذر يقول لبلال رضي الله عنهما يا ابن السوداء ، نهره رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وقال له : إنك امرؤ فيك جاهلية. فماذا تقول في طبيب تقمص شخصية الداعية يتهم نصف أبناء البلد بضعف المواطنة ، وآخر يقف أمام الآف الناس ليحدثهم عن التكروني الذي ظن نفسه في الجنة وشم ّرائحة الديتول الذي هو أحسن من رائحته ؟ كيف يمكن أن تتقبل منه فكرا ، أو تثق في قيمة يتحدث عنها وهو يوردها بهذه اللغة ؟. هنا تؤمن أن بعض الدعاة بحاجة إلى مزيد من الوزن والترصيص حتى تكون حركتهم منضبطة ، وأفكارهم منظمة ، ومحترمة. تذكرت هؤلاء الدعاة عندما قرأت ما قاله حسن الترابي بعد ثلاثين عاما من الحرب في السودان أكلت الأخضر واليابس ، وكان الترابي أحد قارعي طبولها ، وحراس جحيمها ، فقد ذهبت السكرة وجاءت الفكرة فقال الترابي : إن الصحوة ركزت على البناء الروحي وأهملت البناء الفكري ، فهل نحن بحاجة إلى أن نضيع كل عام بلدا ، لنكتشف أننا مخطئون ، أو نقع في موبقة تزعزع نصف الوطن لنعرف أننا عنصريون! ؟. إن الكلمة مسئولية ، وقديما قيل : فرق بين أن تقول : ليتني قلت ، وليتني لم أقل. فإذا قلت : ليتني قلت ، اتسع لك الزمن لتقول ، وحين تقول : ليتني لم أقل : لم يعد لديك القدرة لسحب الكلمة ، ومحو أثرها في نفوس الناس ، ورب كلمة قالت لصاحبها دعني.