اكتظت ولاية فرجينيا الأميركية على ساحل المحيط الاطلسي الملقبة إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض في زيارة رسمية لها طابع الصداقة والمناقشة لقضايا إقليمية «شائكة»، بعد أن حضرا سوياً قمة مجموعة ال20 لأكبر اقتصادات دول العالم. لم تكن هناك خلافات استراتيجية كبيرة بين البلدين، كما كان حجم الخلاف والاختلاف بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، عندما كان بين المشاركين في الاعتداءات الإرهابية على واشنطن ونيويورك 15 شاباً سعودياً. كما أنه ليست هناك فجوات كبيرة تستدعي ردمها أو اتهامات تستدعي تصحيحها كما في السابق. كانت هناك رغبة سعودية في التركيز على نقاط رئيسية عدة أهمها الأمن الإقليمي وعملية السلام «المتعثرة» وعلاقات البلدين «المميزة». في المقابل، كانت لدى الرئيس أوباما وحكومته، بحسب سياسيين أميركيين، رغبة كبيرة في الاستماع إلى طروحات الملك عبدالله وأخذ مشورته ومعرفة رؤيته في شكل مباشر عن قضايا المنطقة، إذ يقول مسؤول أميركي ل «الحياة»، إن اللقاء كان شاملاً تم التركيز فيه على العلاقة القوية بين الرياضوواشنطن، واستمع خلاله الجانب الأميركي إلى «رؤية» الضيف السعودي «الشفاف» حول مجمل التطورات في المنطقة. وهو ما دعا كاتباً أميركياً الى التعبير عن ذلك في صحيفة «هل» التابعة للكونغرس والقول بأن على أوباما أن يكون حكيماً وأن يتبنى ويروّج لمرئيات هذا الملك «المجرب». استمع الملك عبدالله إلى إشادات أميركية برؤيته السياسية ودعمه للسلام، ومبادرته للحوار بين اتباع الأديان والثقافات، وخطواته الإصلاحية في بلاده، وتركيزه الإيجابي على الثقافة والتعليم وتوسيع مشاركة المرأة. كثيرون كتبوا عن زيارة خادم الحرمين إلى البيت الأبيض للقاء الرئيس أوباما وأركان حكومته قبل الزيارة وبعدها. هناك من تحدث عن ضغط سعودي على الأميركيين لضرورة تسريع عملية السلام وإلا سَحْب مبادرة السلام العربية، متجاهلين أنها فضحت النيات الإسرائيلية. هناك من رأى أن الملف النووي الإيراني أهم ملفات اللقاء بين الزعيمين. وهناك من وضع الأوضاع في أفغانستان واليمن على أولوية جدول الأعمال وأهمية إنهاء المشكلات فيهما. لا شك أن مواضيع السلام والملفات الإقليمية مهمة وتم طرحها ومناقشتها بين الزعيمين، لكن اللقاء ركز أيضاً على توطيد العلاقة السعودية – الأميركية، خصوصاً أنها الزيارة الأولى للملك عبدالله إلى واشنطن منذ أن تولى أوباما الرئاسة. يدرك السعوديون والأميركيون أهمية تعزيز وتقوية الروابط بعد أن حاول البعض فتح نوافذ الاتهامات وأبواب التكهنات وضرب «إسفين» في علاقات البلدين للاستفادة من احترابهما بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، لكن واشنطنوالرياض خرجتا من إفرازات تلك الأزمة أكثر قوة ومعرفة بحاجتهما إلى بعضهما للعمل سوياً، لمكافحة الإرهاب والقضاء على منابع تمويله ومنع التطرف وأعمال العنف. أيضاً، هناك علاقة أهم بالنسبة إلى السعوديين مثلما هي للأميركيين تتركز على أهمية الاستمرار في تعزيز التعاون وفق المصالح المشتركة، خصوصاً أن الرياض تطبق سياسات بترولية متوازنة تسهم في استقرار أسواق النفط العالمية، وتتبنى سياسات وبرامج عملية لمكافحة الفقر عبر تقديم مساعدات وإعانات كبيرة للدول الفقيرة. لا شك ان هناك استياء سعودياً واضحاً من عدم ضغط أميركا بما فيه الكفاية على إسرائيل في شأن عملية السلام، وهو ما تبرّره واشنطن بوجود صعوبات على مسارات عدة، لكنها تلتزم للرياض بأنها ستبقى متمسكة بتحقيق حل الدولتين والسلام الشامل. تحاول السعودية أن تنأى بنفسها عن الموضوع الإيراني، لكنها بالتأكيد مع قرارات مجلس الأمن الدولي وقرارات وكالة الطاقة الذرية، التي تتطلب من طهران الوفاء بالتزاماتها بحسب قرارات الشرعية الدولية، وعدم تجاهل النداءات العقلانية بالتخلي عن اللغات الشعاراتية التي لا تنفع الشعب الإيراني. الأكيد ان المرحلة الراهنة تشهد دفئاً وربيعاً في علاقات الرياضوواشنطن، لكن تسارع وتيرة الأحداث و»سخونة» ملفات منطقة الشرق الأوسط ربما يحملان في المقبل من الأيام اختلافات في وجهات النظر بين البلدين. فهل تصمد العلاقة في وجه أية اختلافات أم تشهد توترات جديدة؟ ربما هذا ما يحدده مدى جدية الحلول الأميركية في شأن قضايا المنطقة وملفاتها «الملتهبة»، خصوصاً ان المنطقة اعتادت منذ عقود طويلة على النزاعات والصراعات، ما يتطلب من الأميركيين الاستماع إلى صوت العقل والاعتدال بعيداً من القوالب الشعاراتية و «البروباغندا» الإعلامية.