العالم كله يدور حول المحور الأمريكي، ولعلها القوة التي جمعت بين عذرية المكان ، وبنائه بالقسوة وأحياناً بالابتكار، وهي تعترف أن تاريخها ليس نظيفاً ولا سيئاً، ولكنها ظلت مركز الثقل عندما دخلت العالم أثناء الحربين العالميتين، وبدأت تأخذ دور القيادة من أوروبا والمنافسة مع الاتحاد السوفياتي، ثم التفرد بكلّ الأدوار.. أمريكا القارة، أو العالم الجديد، أنشأت علاقات مع المملكة لأكثر من نصف قرن ، واستمرت متذبذبة بين التعارض والتوافق ، وهي طبيعة أي علاقات دولية، حتى بين الحلفاء تنشأ خلافات يتم تسويتها بالتعامل الواقعي، وقد بنى المؤسس الملك عبدالعزيز أثناء لقائه بروزفلت في البحيرات المرّة في السويس أسس تلك العلاقات، وكانت الفاتحة عندما اكتشف كل منهما الآخر وقدّر دوره، وكانت نظرة القائد السعودي أن العالم مقبل على زعامتين في أمريكا والاتحاد السوفياتي، وانحسارٍ تام للدور الأوروبي الذي كانت تقوده بريطانيا وفرنسا، وهذا الفرز كان توقعاً حقيقياً لتتالي الزيارات بين أبنائه وزعامات البيت الأبيض في مختلف الأجواء العالمية الساخنة والباردة.. الملك عبدالله سبق أن التقى الرئيس أوباما، وعندما يحل ضيفاً عليه في الولاياتالمتحدةالأمريكية فهو يمثل بلداً وأمة عربية، وعالماً إسلامياً، أي أن وجاهة اللقاء تأتي وفق جدول مزحوم بالقضايا الثنائية، والإقليمية والأمنية، سواء على الساحتين الفلسطينية والعراقية، أو أمن الخليج وعدم تعريضه للزوابع، أو المفاجآت غير السارة.. فالمملكة أبقت على تحررها من أي نفوذ أياً كانت طبيعته، وحتى في صراع الأضداد وحالات الاستقطاب بين المعسكر الشرقي والغربي، بقيت خارج الدائرة إلا بما يهدد أمنها ويدفعها، قسراً، لحماية مواقفها واستقلالها، وهذا التوازن أكسبها قيمة حتى عند من كانت على خلاف معهم عقائدياً وسياسياً، ومع ذلك لم تدخل مسار العداوات والصداقات وفقاً للذهاب بعيداً بمناصرة كيان أو نظام على آخر.. وإذا كانت مراحل الخمسينيات والستينيات التي أفرزت عداوات واتهامات في المنطقة العربية، بين من يؤيد ، أو يعارض قطبيْ المعسكرين، فإن المرحلة الراهنة خطت نحو المصالح العليا، والتي يقررها نفوذ وقوة كل دولة، والمملكة وفقاً لدورها على المستوى الإقليمي والعالمي أبقت صداقتها مفتوحة مع أمريكا، ولكنها في الوقت نفسه لم تقلصها مع دول تفترق معها واشنطن، أو تذهب معها إلى التحالف المصيري مثل إسرائيل، لتجيّر صداقتها مع المملكة للاعتراف بعدوها، وهي مسألة ظلت محسومة بفعل صراع لم يخترعه العرب، بل جاء نتيجة صفقات دولية على حساب الكيان الفلسطيني.. الرئيس أوباما وعد بأن يكون أكثر انفتاحاً مع العالم الإسلامي، وحل القضايا الشائكة معه ، وحتى لا نضعه في حسابات المنكِر لمواقفه، فقد تكون عواصف الأزمة المالية والتورط في أفغانستان والعراق، وأوضاع بلده الداخلية، أخذت كل اهتماماته وجدول أعماله، ومع ذلك فالتعامل مع عالم كبير مثل العالم الإسلامي يحتاج إلى مكاشفة حقيقية، ونعتقد أن الملك عبدالله في هذا اللقاء سيكون صريحاً وأميناً بطرحه كل هذه القضايا أمام الرئيس الأمريكي لأن الأزمات في المنطقة وخارجها تحتاج إلى دور أكثر إيجابية، وهو ما نراه على أعلى اهتمام القيادتين ..