محمد بن عبدالله المشوح - عكاظ السعودية حدثان مهمان وقعا الأسبوع المنصرم أحدهما داخلي والآخر خارجي، أما الداخلي فهو تقدم خمسين محاميا من مختلف مناطق المملكة إلى المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل بطلب النظر في المضايقات التي يتعرضون لها من بعض القضاة في محاكم المملكة. أما الخارجي فهو تلك الاعتصامات والإضرابات وتعليق الجلسات من قبل المحامين في مصر، وذلك إثر الأحكام الصادرة ضد اثنين من المحامين فيما عرف لاحقا بأحداث «طنطا». إن المطالبات الملحة سواء في داخل المملكة أو في بعض الدول التي لم توفر للمحامين الحصانة اللازمة هي التي أوجدت تلك العلاقة المتشنجة أحيانا بين الطرفين. ولابد إثر ذلك من الاعتراف المتبادل بالحقوق المشروعة للمحامي في إبراز دفوعه الضرورية من قبل موكله في أجواء بعيدة عن التسلط والفوقية من قبل بعض القضاة وأعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام. الصور التعسفية التي يأمر بها بعض القضاة تجاه المحامين من سحب التراخيص إلى تكبيل الأيادي مرورا بالشتم والغمز واللمز واستكثار الأتعاب والسؤال عن قيمتها، كل ذلك أوجد في نفوس المحامين ضيقا شديدا قادهم حتما إلى رفع شكواهم. الإشارات القوية التي ألمح إليها بعض أولئك المحامين فيما يتعلق بنظام المحاماة المتضمن حوالي 42 مادة أكثر من 70 في المائة منها خاص جدا جدا ب«تأديب المحامين»! نحتاج بالفعل إلى التأمل الدقيق. أما حقوقهم فهي مازالت تنتظر الإفراج عنها في أمل مرتقب لتعديل اللائحة الخاصة بنظام المحاماة. الكثير من الإخوة القضاة يتساءلون هل يعقل أن يتم تجريح المحامي أو الإساءة إليه دون سبب. فأقول نعم، إن المشاهدات اليومية التي نقف عليها وإن كانت من بعض القضاة تجاه المحامين من التأفف من دخولهم والضيق من جلوسهم وحضورهم يطرح كثيرا من التساؤلات عن مآل تلك العلاقة. ومن الطريف أن بعض الزملاء القضاة الذين كانوا يستنكفون ويستنكرون أن يقوم بعض القضاة بالتعسف والمضايقة للمحامي لم يكونوا يصدقون بذلك. ثم دارت عجلة الحياة وانخرط بعض أولئك في سلك المحاماة بعد أن ودعوا سلك القضاء ورأوا بأعينهم ما كانوا يعدونه مبالغة وتهويلا وسقوا من الكأس التي سقوا بها الآخرين بالأمس. صحيح أن الكثيرين يعجبون ولا يصدقون عن حجم المضايقات التي يتعرض لها أحيانا «المحامون» ولازلت أقول من «البعض» و«أحيانا». إلا أن ذلك لا يعفي من المطالبة بمزيد حماية للمحامي من بعض أولئك القضاة وأعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام. إن من المتعين أن لا تكون العلاقة بين المحامين والقضاة علاقة تناكفية خصامية تنعكس على سير العدالة وحقوق الوكلاء والخصوم. إن الرؤية التي يحملها سدنة القضاء في المملكة ومسؤولوه اليوم بدءا بمعالي وزير العدل ومعالي رئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس ديوان المظالم تعكس روح الإيجابية القادمة للنظرة للمحامين، فهم يحملون في طياتهم تقديرا لدور القاضي الواقف وجناح العدالة الآخر. المؤكد أننا نقر ونعترف بوجود تجاوزات من بعض المحامين، إلا أن التماسنا للأعذار للزملاء القضاة في كثرة القضايا لديهم وتزاحمها وقلة أفراد المكتب القضائي تنسحب أيضا إلى المحامي الذي هو الآخر يحتاج إلى أن يتم التماس العذر له جراء إلحاح ومطالبات موكله الذي يحمله كل صغيرة وكبيرة حتى تلك المواعيد التي ترمى بعد أشهر طويلة ولا يلقي لها القاضي بالا تقع كالفأس على رأس المحامي. كان زملاؤنا من الجيل الأول من المحامين يسردون لنا المعاناة المريرة التي كانوا يتعرضون لها إبان تلك الحقبة التي لم يكن فيها ثمة نظام خاص للمهنة وكان هناك ثمة فئة من القضاة غير مستوعبة لفقه المحاماة العالمي. أما اليوم ونحن نتشرف مستقبل وطننا وقضاتنا دلفوا دهاليز المحاكم العليا في أوروبا وأمريكا واستطلعوا تجارب الدول الأخرى المتقدمة في الإجراءات القضائية. فلا عذر إلا باستشعار جناحي العدالة لمسؤولياته ومن ثم تقرير الاحترام لكل منهما وفق رؤية إسلامية منصفة. ليس سرا أو خفيا أن لدى كثير من المحامين قدرات علمية وذهنية متميزة لم يتردد وزير العدل الدكتور محمد العيسى ذات لقاء أن يفصح عنها وأنه وهو القاضي والذي عمل في أروقة القضاء المتعددة العام والإداري والتجاري قد استفاد من بعض دفوع ومذكرات المحامين الذين يقدمون رؤية علمية وحقوقية وقانونية عالية. كما أن بعض المسؤولين عن القضاء لم يترددوا في التصريح بأنه من الممكن الاستفادة من بعض الكفاءات العالية العاملة في سلك المحاماة واستقطابها إلى العمل في مرفق القضاء. الأمل الأخير أن تتصافح القلوب قبل الأيادي للعمل في صمام أمان الوطن وهو العدالة من قبل جناحيها وهما القضاء والمحاماة. [email protected] فاكس : 014645999