انباؤكم - د . سعد بن عبد القادر القويعي لست مبالغا إن قلت : إن انتهاكات متكررة لعلماء كبار , أطلقت في - الآونة الأخيرة - عبر وسائل الإعلام , باسم حرية الكلمة , حتى وصل الهجوم لمن يختلف معهم في الرأي , إلى اتهامهم بالتكفير , والسذاجة بالتفكير . إضافة إلى تصيد زلاتهم , ونشر هفواتهم بسوء نية . مع أن العالم عند الله أسمى منزلة , وأثقل تبعة , وأوثق عهدا ؛ لأنهم الأعلام الموقعون عن الله . يؤكد ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخبر الصحيح : " إن العلماء ورثة الأنبياء , إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما , إنما ورثوا العلم , فمن أخذه أخذ بحظ وافر " . فهم لم ينالوا تلك المنزلة الرفيعة بمنصب إداري , أو مركز اجتماعي , أو رتبة وظيفية , بل بما وهبهم الله من علم وفضل وقبول . إن أقلاما نالت من علماء كبار , أوضحت مخابئ دسائسهم , حين كانت مؤطرة بحرية التعبير - تارة - , وبسجال الفكر - تارة أخرى - , فترقب أخطائهم , وتفشي زلاتهم وتضخمها , وتستر حسناتهم وتخفيها ؛ من أجل أن يستجلبوا عداوة العالم , وعداوة المتبعين له . - وعندئذ - فإن الناس إذا فقدوا ثقتهم في العالم , وزهدوا فيه , استخفوا به , وسقطت كلمته , ولم يقبلوا منه كلاما , ولا رأيا . صدقا , فرحت كثيرا وأنا أقرأ تصريحا - للدكتور - خالص جلبي - قبل أيام - , وهو يعقب على فتوى - الشيخ - عبد الرحمن البراك في حقه , حين وصف آراءه بمناقضتها للعقل والشرع , إلى آخر ما ورد في الفتوى . ومع هذا , فقد كان - الدكتور - خالص حريصا على أن يظهرا مشاعر الاحترام والتقدير للشيخ , ووصل إعجابي له حين قال : " لو رأيت الشيخ البراك لقبلته على رأسه , لعمق شعوري أن ما قاله هو من باب الحرص على الإسلام , فهو لنيته يزكى , ولرأيه يخالف . وهذا ليس تملقا للشيخ , بل حرصا عليه من الزلل " . فتذكرت - حينئذ - منهجا سلفيا , قرأناه في ما مضي في بطون الكتب , يبرهن على مكانة العلماء الرفيعة في قلوب الخلق , واحترام العلماء بعضهم لبعض , وتقديرهم , والثناء عليهم , وإنزالهم منزلتهم , ونصيحتهم إذا أخطئوا بالطرق الشرعية , وحملهم على حسن النية والاجتهاد . إن من مصلحة الأمة حفظ قدر علماءها , ومعرفة مكانتهم . ولذا فإن رد - الدكتور - جلبي , يؤكد الحقيقة كاملة غير منقوصة , دون أن يقدح في مكانة الشيخ , أو النيل منه , وهذا ما يمليه الواجب الإنساني والأخلاقي والأدبي من احترام العلماء وتقديرهم . كما يؤكد أن أمتنا لا تزال بخير , ما دمنا نسلك هذا المنهج الرشيد عند الاختلاف مع العلماء , والملتزم بضبط النفس , والتحلي بالحكمة و والصبر والهدوء في موقف كهذا . إن الخلاف السائغ في الجملة , لا يوجب هجرا , ولا عداء , ولا تبديعا , ولا تضليلا بافتعال أسباب الخلاف . بل غاية ما ينتج عنه التخطئة . ثم إن الاختلاف لا يدل على القطيعة , وتصدير الأحكام , وإنما يدل على مدى حاجتنا إلى الحوار بأدب ؛ للتفاهم والتواصل والتكامل , وليكون مصدرا من مصادر الإثراء الفكري , ووسيلة للوصول إلى الرأي الصائب . [email protected]