الرئيس بشار الأسد يرى أن لا حل ممكناً مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، فإسرائيل كلها مالت الى التطرف، ولم يعد هناك يمين ويسار، ودعاة حرب وطلاب سلام. كان الرئيس السوري يحدثني عن إسرائيل في القصر الجمهوري المطل على دمشق وكأنه يقرأ من كرة بلورية إذ لم تمضِ ساعات على حديثنا حتى كانت البحرية الإسرائيلية تهاجم اسطول السلام في المياه الدولية، وتقتل وتجرح وتعتقل فيثور العالم كله على إسرائيل. وقررت ان أُرجئ نشر حديثي مع الرئيس، وقبله مع الأخ جمال مبارك واللواء عمر سليمان، وبعده مع الأخ خالد مشعل والدكتور رمضان شلّح الى ما بعد تراجع الضجة المحلية والعالمية على الجريمة الإسرائيلية. لم يكن الحديث كله للنشر فأختار منه. الدكتور بشار قال ان إثارة موضوع المسار السوري سببه إدراك الوسيط الأميركي والوسطاء الآخرين استحالة الحل بين إسرائيل والفلسطينيين، إلا انه يرى ان لا حل مع سورية ايضاً بسبب تطرف الحكومة الإسرائيلية الحالية. وهو يشعر بأن إسرائيل قد تسعى الى حرب مع إيران، وربما مع سورية ولبنان، للتنصل من التزاماتها إزاء عملية السلام. إلا انه قال ان المناورات العسكرية وحشد الجيوش والتهديدات لا تعني حرباً، كما ان التطمينات وغياب الجيوش لا تعني السلام. وربما كان الأمر أن التهديدات هدفها التخويف لتجنب الحرب. أشرت الى المحكمة المقبلة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري والاغتيالات الأخرى، وقال الرئيس ان سورية تعاملت مع كل لجان التحقيق بإيجابية، وعنده قناعة تامة بأن المحكمة ستثبت ان "ليست لنا علاقة بالموضوع... وقد حاولوا استغلالها سياسياً وفشلوا". وهو أضاف رداً على سؤال لي عما تردد في أخبار أخرى انه يستبعد ان تكون لحزب الله علاقة بالاغتيال، وقال ان علاقة سورية مع حزب الله هي في مواجهة إسرائيل، أما في لبنان فالموضوع يصبح شأناً داخلياً. وهو اقترح ان يتواصل الرئيس سعد الحريري مع حزب الله كما كان يفعل والده، وقال ان سعداً يتعامل بإيجابية مع سورية ويتمتع بدعم عربي ودولي يجب ان يترجمه إنجازات. واقترحت ان يحاول الرئيس "تطرية" الجو، وهو قال انه يفضل عدم التدخل في الشأن اللبناني الداخلي، وجميع الوسطاء والمسؤولين الذين يزورون دمشق هذه الأيام لا يطرحون موضوع لبنان معه، ولا يطلبون شيئاً "لبنانياً" من سورية، لأن لبنان لم يعد ساحة صراع. هذا صحيح، ولكن أعرف ان كل عرض غربي على سورية ينتهي بطلب قطع العلاقة الخاصة، أو التحالف، مع إيران. إلا ان الرئيس بشار الأسد الذي صمد في أصعب الظروف، وقاوم ضغوط إدارة بوش، واثق من قدرته على مقاومة الضغوط الحالية. وهو ذكّرني بأنه بعد ثلاثة أسابيع من الحرب على العراق جاءه وزير الخارجية (في حينه) كولن باول وقدم إليه طلبات عدة وكان ردّه لا ولا ولا. العلاقات مع تركيا حسنة على كل صعيد، وإلى درجة انني لم أشعر بحاجة الى سؤال الرئيس عنها. مع انني سأتناول التعاون الاقتصادي الإقليمي في زاوية مقبلة. وسألت الدكتور بشار عن أزمة الحكومة العراقية، أو الحكم، وهو قال ان رئيس الحكومة نوري المالكي أساء التعامل في الماضي مع كل دول الجوار، إلا ان الوضع افضل الآن، والمشكلة عراقية – عراقية، فهناك خلافات عميقة بين الكتل البرلمانية، وخلافات ضمن الكتلة الواحدة. وهو توقع ان تنفرج الأزمة بعد حين إلا انه استبعد التدخل السوري أو العربي فيها لصعوبة الوصول الى حل بالنيابة عن العراقيين. العلاقات مع مصر شغلت جزءاً كبيراً من الجلسة مع الرئيس، خصوصاً زيارته التي لم تتم لتهنئة الرئيس حسني مبارك بالسلامة بعد العملية الجراحية في ألمانيا. وكنت سمعت تفاصيل ما حدث من اللواء عمر سليمان وبعده من الأخ جمال مبارك، ثم من الرئيس الأسد، وكانت التفاصيل متشابهة، وأحياناً متماثلة، وإن وقع خطأ فسببه حساسية قائمة أرجو ان تزول لأهمية دوري مصر وسورية في الحلف مع تركيا ضد إسرائيل. وأعرف ان العلاقات الاقتصادية لم تتأثر ابداً، وإنما تنمو باستمرار، وبإصرار أطرافها جميعاً. جلست مع الدكتور بشار الأسد حوالى ساعتين، ولكن ليس كل ما يُعرف، أو يُسمع، يُقال، ووجدته مرتاحاً مطمئناً الى الأوضاع السورية الداخلية وعلاقات بلاده بدول الجوار والدول الأخرى، وأشعر مثله بأن الأيام الصعبة مضت وذهبت آثارها معها، والوضع السياسي مستقر، والوضع الاقتصادي يتحسن والأمل بمستقبل افضل له ما يبرره.