5 محدّدات لرُخص الآبار الجديدة في الدرع العربي    حديقة وطرق المهد.. ألعاب خطرة وشوارع رديئة    شيخ قبائل المنابهة في عنزة السورية ل«عكاظ»: حمص تجاوزت الفتنة.. ولا عودة ل«حزب الله»    فعاليات شتوية    المملكة.. بوصلة العالم    «إسرائيل» تعترض صاروخاً من اليمن    «الراجحي» حقق حلم السنوات ال10    التايكوندو يحتفي بالدوليين    يا علي صحت بالصوت الرفيع!    في الشباك    أمطار الشتاء تنقذ تونس من حالة الطوارئ المائية    شتاء جازان يجذب السياح والزائرين    مليار و700 مليون وحدة بيانات تصنف المدارس ل4 مستويات    معلم سعودي ضمن الأفضل عالمياً    «عين السيح».. تأسر عشاق التراث    الاكتئاب المبتسم.. القاتل الصامت    سيتي يضم مرموش ويجدد لهالاند ويفقد ووكر    إيقاف بياناتك على منصات Meta    "الداخلية" تحصد جائزة أفضل جناح بمؤتمر الحج    أكدت على الحقوق الفلسطينية وأشادت بجهود الوسطاء.. المملكة ترحب باتفاق وقف النار في قطاع غزة    ضبط أكثر من 21 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    المملكة تحتضن معرض التحوّل الصناعي العالمي    الذكاء الاصطناعي يحتال بشخصية براد بيت    الألمعي تعبر عن شخصية جازان    علاقة الاقتصاد بارتفاع الطلاق    تاريخ حي الطريف    تعزيز الفرص الاستثمارية في منظومة خدمات الحج    السديس: لحظة تاريخية استثنائية.. إطلاق أكبر هيكلة تنظيمية برئاسة الشؤون الدينية في الحرمين    الهلال يقترب من ضم موهبة برازيلية جديدة    تفوق الجراحة الروبوتية في عمليات الكبد    خطر منتجات النظافة الشخصية على الصحة    تناول الشاي الأخضر بانتظام يقي من الخرف    رون ولي وماتياس    سالم الدوسري يحقق جائزة أفضل رياضي لعام 2024 ضمن جوائز «جوي أوورد»    دور المرأة في قطاع التعدين بالمملكة.. الواقع والطموح    عميل لا يعلم    كل أمر حادث هو حالة جديدة    الأمير فيصل بن سلمان يكرم عائلة أمين الريحاني بسيف صنع في السعودية    ميزات زر قفل iPhone    أحزمة مذنبات بأشكال متنوعة    المملكة توزّع مواد إغاثية متنوعة في سوريا    مُسلّح يغتال قاضيين في طهران وينتحر    ترمب وبايدن والدولة العميقة !    تأثيرات صحية لاستخدام الباراسيتامول بانتظام    اقتران بين كوكبي الزهرة وزحل في سماء الحدود الشمالية    الوحدة الوطنية    الجامعة في القصر    الشيخ الثبيتي: لا تطغوا بعلمكم ولا تغتروا بقوتكم    الشيخ السديس: حصّنوا أنفسكم وأولادكم بالأوْرَاد الشَّرْعِية    تطوير منصة موحدة للنقل في مكة المكرمة    رصد طائر البوم «الفرعوني» في شرق عرعر    ضبط مواطن في عسير لترويجه (5,838) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي    2100 حالة ضبط خلال أسبوع في المنافذ الجمركية    الرئاسة العامة تشارك بورشة عمل بعنوان (رقمنة التوعية في أداء المناسك)    خطيب المسجد النبوي: احذروا أن تتحول قوة الشباب من نعمة إلى نقمة ومن بناء إلى هدم    «الخارجية»: نرحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة    «التويجري» ترفع الشكر للقيادة بمناسبة صدور الأمر الملكي بتشكيل مجلس هيئة حقوق الإنسان في دورته الخامسة    إطلاق كائنات فطرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيلة القصير.. حكم قيادة المرأة للدبابة

بالتأكيد أن هيلة القصير ليست لديها صفحة في الفيس بوك، ولا في تويتر، ولا تحمل جهاز بلاك بيري وليس لديها أي موقف إيجابي من قضية قيادة المرأة للسيارة، فالخريجة التي مزقت شهادتها وخرجت من دوائر الحياة الاعتيادية وارتضت أن تعيش حياة التقشف والبدائية هربا من الفتنة، وأخذت تبذل وقتها وجهدها في الأعمال الدعوية كان لا بد لها أن تجد مسارا مناسبا لتصريف تلك الطاقة وتفعيل ذلك التوجه. والأفكار التي تشهد انحرافا لا يمكن تفعيلها إلا عن طريق ما يمثل انحرافا كذلك، فهيلة القصير نتيجة وضحية وليست سببا.
إنما، كيف للقاعدة وهي التي تعتمد على رؤية فقهية ضيقة جدا في الأحكام المتعلقة بالمرأة أن تجد في امرأة ما قدرة لجعلها كادرا من كوادر التنظيم ومصدرا من مصادر قوته ودعمه مع ما يحتاجه ذلك من اختلاط عارض وغير عارض ومساحة من الحركة والتواصل تتجاوز ما تحتاج إليه طالبة أو مهندسة معمارية أو طبيبة؟ وكيف استطاعت تلك الرؤية الفقهية شديدة التزمت أن توجد خانة لامرأة لتكون فاعلة في محيط ذكوري صاخب؟
في الواقع، يحدث هذا كثيرا في الفقه المتشدد الذي يتحول إلى نوع من المحافظة العمياء التي تنتج دائما خلاف ما يمثل هدفا طبيعيا لها، بمعنى أنه يفرض حكما فقهيا ما من باب الالتزام والمحافظة، فيما ينتج هذا الحكم من الوقائع ما يمثل انتهاكا لتلك المحافظة بل واعتداء عليها، أو ليس الذين يمانعون مثلا عمل المرأة في محلات الملابس النسائية يؤدون بها إلى ما هو أسوأ من ذلك من مخالطة وهدر للحياء والذوق العام وإشاعة للاختلاط في أكثر صورة انتهاكا للآداب العامة؟ ومع ذلك تشعر المحافظة العمياء بنوع من ارتياح الضمير ، لأنها لا تبحث عن جدوى واقعية بقدر ما تبحث عن تمسك بالحكم وحرص عليه مهما كانت نتائجه.
هيلة القصير تمثل تجاوزا لذلك بالنسبة للتنظيم، فالمرأة التي تمثل من وجهة نظري ضحية أكثر من كونها مصدرا لا يمكن أن تقوم بكل ما قامت به من منطلق رؤية نسائية أو أنثوية خاصة بها، بل إنه لا يوجد في نماذج التشدد لدينا ما يمكن أن يطلق عليه تشددا نسائيا إلا إذا تحدثنا عنه في سياق حالة ما، ونسائية هذا التشدد هنا هي نسائية التنفيذ وليست نسائية الرؤية، فالتشدد منتج رجالي خالص، وحتى النساء اللواتي يعتنقنه إنما يقمن بذلك من خلال الأدوات والأفكار الذكورية لذلك التشدد. والذي يقرأ عددا من نشرة (الخنساء) الخاصة التي كانت تصدر خاصة بالمجاهدات في جزيرة العرب، يدرك كيف تسيطر اللغة الذكورية على خطاب النسوة المتشددات، ذلك أن التشدد ارتبط بما يمكن تسميته شعبيا ب(المرجلة) ، وحتى أفكار الفداء والعزة والكرامة التي تحمل خطابات وتسجيلات القاعدة لا تنطلق من وجهة نظر دينية خالصة بل تسيطر عليها مفردات الرجولة والبطولة القادمة من القاموس الاجتماعي الممتد منذ القاموس الجاهلي.
بكل تأكيد فالصراخ الذي اندلع على ألسنة قادة التنظيم من أجل هيلة القصير كان يحمل تلك اللغة، فالجمل التي انطلقت مثل: أنقذوا الحرائر وانتصروا لشرفكم وغيرها، إنما جاءت لتستفز القيم الشعبية وليست معتمدة على القيم الدينية، والتي في حال أطلقها التنظيم فأول سؤال سوف يواجهه هو: من الذي أدخل هذه المرأة أصلا فيما يمثل انتقاصا لعزتها وكرامتها وشرفها؟
في المكالمة الهاتفية التي دارت بين الأمير محمد بن نايف والمنتحر عبدالله عسيري، ركز الأمير محمد في السؤال عن امرأة ، حيث كان يشير بقوله: إنها أهم لدي منكم جميعا. ذلك أنه من الواضح أنها لا تعيش حياة كريمة، بل إنها تعيش في حالة لا علاقة لها بأفكار الجوهرة المكنونة والدرة المصونة، وهو ما يشير إلى أن التنظيم بالفعل يمكن أن يستخدم النساء في صور لا تخالف ما عليه القيم العامة فحسب، بل تخالف ما هو سائد من مواقف فقهية حادة أحيانا في قضايا المرأة.
قد لا تكون المقارنة هنا سائغة علميا، إلا أنه وكما وقعت إسرائيل في تصرف أحمق بعدوانها السافر وقرصنتها الخارجة عن القانون لأسطول الحرية، وقعت القاعدة كذلك في خطأ وتصرف أحمق للغاية، حينما بثت شريط سعيد الشهري في هذه الفترة بالذات، فبالدرجة الأولى لا يمكن للقاعدة أن تحصد أي تعاطف شعبي ما دامت القضية تدور حول امرأة، بل إن التنظيم تصرف بشكل صادم ومخيب لآمال من قد يتعاطفون معه أو يرون أنه يسير وفق قيم ما حين يرون كيف يحول النساء إلى أدوات لحربه ومعاركه بسبب ما تحظى به المرأة من حالة اجتماعية تقوم على الاستتار والتغطية حفظا لكرامتها – حسب الرؤية التقليدية – وبين ما قامت به القاعدة من استغلال ذلك لخدمة أهدافها، فانكشف التنظيم أمام الجميع على أنه لا يتورع عن التضحية بأية قيمة اجتماعية وصولا لأهدافه ومآربه، وعلى الجانب الآخر يظهر الغباء في التوقيت الذي تم فيه بث الشريط وهو ما أوجد مبررا قويا وواسعا للقراءة التي تشكك في تعمد التنظيم صرف الانتباه العام عما تعرض له أسطول الحرية من قرصنة إسرائيلية.
إن انكسار التنظيم فيما يتعلق بهيلة القصير ليس فقط في أهميتها من الناحية اللوجستية والتمويلية رغم ضخامة الدور الذي قامت به، ولكن خسارته الحقيقية تكمن في كونه أقدم على ما يمثل جرحا للشعور الشعبي، حينما يقدم على ما يمثل امتهانا حقيقيا للمرأة في أوساط ما زالت تناقش قيادة المرأة للسيارة، بينما لا يمانع التنظيم في أن تصعد على ظهر دبابة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.