انباؤكم - الطاهر إبراهيم أثناء إلقاء "محمود عباس" كلمته أمام «مؤتمر فلسطين الثاني للاستثمار في بيت لحم»، شكر مصر لقرارها فتحَ معبر رفح، فصفق الجمهور تصفيقا عاديا. وحين شكر الموقف التركي لوقوف تركيا مع الشعب الفلسطيني، وقف الحاضرون المشاركون مطولاً وسط تصفيق حار. مرة أخرى نجد للكاتب السعودي "داود الشريان"، قراءةً مختلفة للأحداث تبتعد عن نبض الشارع العربي. فقد كتب الشريان في الحياة في 3 حزيران الجاري تعليقا على التصفيق قائلا: (التصفيق لغضبة تركيا وتجاهل الفعل المصري، يكشفان عقلية المواطن العربي الذي تحرّكه عواطفه .... وبإمكانك أن تكسبه بالدعاية والكلام المجاني والشعارات الفارغة.. إيران ومِن بعدها تركيا أدركتا هذا منذ وقت مبكر، وكسبتا الشارع العربي بالخطب الحماسية، والدعاية السياسية). سوف أتجاوز إقحام الشريان "إيران" في الحديث لأنه في غير محله، وهي لم تشارك أصلا ضمن "قافلة الحرية". فليس من اللائق بحق الشعب العربي أن يزعم الأستاذ "الشريان" أن:(عقلية الشارع العربي.. بإمكانك أن تكسبها بالدعاية والكلام المجاني والشعارات الفارغة...). هذا استخفاف -يا أستاذ داود- بالجماهير العربية، التي لطالما استشعرت الأحداث، فنزلت إلى الشوارع والميادين العامة احتجاجا على ما تقوم به إسرائيل بحق الفلسطينيين، وما تفعله أمريكا من جرائم في حق الشعب العراقي والشعب الأفغاني، في وقت كنا نجد معظم صحف (شارع الصحافة العربية) في وادٍ آخر غير واد الشعب العربي واهتماماته، خصوصا المهاجرة منها. ليس من المهنية في شيء أن لا يستطيع "الشريان" معرفة السبب الحقيقي وراء انحياز الشارع العربي لتركيا و"أردوغان"، على وجه الخصوص، ومن ثم انصرافه عن مصر وقيادتها، ولو تبصر قليلا لوجد السبب. إن موقف الشارع العربي يعبر عن شكره تركيا لتجهيز "قافلة الحرية". إنه الامتنان لمواقف "رجب طيب أردوغان" تجاه "غزة"، حيث فشلت /أو رفضت، قيادات عربية في أن تقدم للفلسطينيين مثلما قدم لهم "أردوغان". وعلى وجه الخصوص القيادة المصرية التي شاركت مشاركة فعالة في حصار الشعب الفلسطيني المريض المجوّع، الذي لا يجد اللقمة ولا الدواء ولا المأوى الذي يكنّه من برد الشتاء وحر الصيف، بعد أن تهدمت بيوت غزة بصواريخ الحرب الإسرائيلية المجرمة، وأقفلت الحكومة المصرية معبر رفح في وجه إمدادات الدواء والغذاء ومواد البناء. لقد كان موقف القيادة المصرية (وقد عتب الأستاذ داود الشريان على المشاركين في "مؤتمر فلسطين للاستثمار في بيت لحم" أنهم لم يصفقوا لها طويلا كما صفقوا لتركيا) من غزة، كموقف المرأة التي حبست "الهرة"، فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من "خشاش الأنفاق". وليس الأستاذ "داود الشريان" –على كل حال- هو الوحيد الذي أتحفنا بتنظيره البعيد عن الحقيقة والواقع. فها هو الأستاذ "غسان شربل"، رئيس تحرير الحياة يكتب في عدد الحياة يوم 4 حزيران الجاري تحت عنوان "تركيا وتوظيف العاصفة"، محاولا الانتقاص من دور تركيا في المنطقة ومن رئيس حكومتها "أردوغان"، بأسلوب يختلف في الصياغة عن أسلوب "الشريان"، لكنه في النتيجة يلتقي معه على نفس الهدف. كتب "شربل" يقول: ( أدرك "أردوغان" أهمية الفرصة، لتعزيز موقفه في الداخل التركي وتبرير تموضع أكثر شعبية في المنطقة. لا يمكن حجز دور كبير في الشرق الأوسط من دون الوقوف ضد الظلم اللاحق بالفلسطينيين). استطرادا نسأل لماذا لم تبادر حكومات عربية "بالوقوف ضد الظلم اللاحق بالفلسطينيين" وقوفا فعالا فتحجز لها دورا كما فعلت تركيا؟ لو أحسنا الظن بما كتبه غسان شربل لقلنا: إنه زعم أن خطوات رئيس الحكومة التركية "رجب طيب أردوغان"، حتى يظهر وكأنها خطوات انتخابية فحسب بعيدة عن العاطفة والمشاركة بالألم. وهذه الخطوات يفعلها الكثير من القادة، ولا يستحقون عليها كلمة "عفارم"، لأنهم سيقبضون ثمنها انتخابيا، لاحقا. سأكتفي بما أوردت من اقتباسات، لأني أريد أن أعلق بملاحظات خفيفة. أولا: لو أن "أردوغان" خص السلطة الفلسطينية بدعمه، لما وجدنا من يغض من موقفه، وهو على كل حال لم يقصر في نصرة الفلسطينيين عموما. ولكن لأن "أردوغان" غضب لما تطبقه إسرائيل من حصار حول غزة فقد اعتبر البعض أن هذا الغضب يصب في مصلحة حماس. وكأن حماس من بلاد "الواق واق" لا تستأهل أن يتعاطف معها متعاطف. ثانيا: الأستاذ الشريان "أخذ على خاطره" لأن المجتمعين في "بيت لحم" صفقوا وقوفا لتركيا، بينما صفقوا لمصر قاعدين. والمقابلة هنا هي بين "رجب طيب أردوغان" و"حسني مبارك"، مع حفظ الألقاب. الناس إنما تصفق لإنسان ما استحسانا على عمله الجيد. فلو أن الرئيس "مبارك" بادر منذ اليوم الأول بفتح معبر رفح ابتداء، لما قدم الفلسطينيون أردوغان عليه ولصفق له الحاضرون في "بيت لحم" وقوفا كما صفقوا لأردوغان. بينما واقع الحال أنه أقفل معبر رفح من جهة مصر وقد أقفلت إسرائيل الجوانب الباقية؟ وكأنه يقول لأهل غزة: "موتوا بجوعكم" ما لم تنفضوا عن حماس، وتعودوا إلى بيت الطاعة تحت سلطة "أبو مازن". ثالثا: على أن هناك مغزى غفل عنه كثيرون عندما جاءت في صيغة الأمر بفتح معبر رفح "حتى إشعار آخر". فعبارة "حتى إشعار آخر" لا تعني مسافة زمنية واسعة. بل إن القيادة المصرية يمكن أن تغلق المعبر في أي لحظة. وهي تنتظر ما ستؤول إليه عملية "عض الأصابع" بين أهل غزة والمجتمع الدولي وتركيا لاحقا من جهة، وإسرائيل وواشنطن من جهة أخرى. ففي اللحظة التي ترجح فيها كفة إسرائيل في استمرار الحصار، -لا سمح الله- ستعلن القيادة المصرية إغلاق معبر رفح إلى "وحتى إشعار آخر" بحجة عدم وجود السلطة الفلسطينية في المعبر. أخيرا: هناك أجندة معينة تدفع البعض لمحاولة شد الخناق على حركة حماس في غزة، لأن حماس محسوبة على الإخوان المسلمين. ولو علم هؤلاء أن انهيار سلطة "حماس" في غزة سوف يحول كوادرها قنابلَ موقوتة تنفجر في وجوه الجميع ليس في فلسطين فحسب، بل في معظم دول الجوار العربي. فهل يدرك ذلك عقلاء الجوار العربي؟